[مُقدمَة الكِتَابَ  9Lp50737
[مُقدمَة الكِتَابَ  9Lp50737
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةأحدث الصورمراسلة الادارهمركز رفعالتسجيلدخولتسجيل دخول

 

 مُقدمَة الكِتَابَ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
القبطان
بينات المدير
بينات المدير
القبطان


مُقدمَة الكِتَابَ  KT5Wy
الجنس : ذكر
الوطن : مُقدمَة الكِتَابَ  Egypt10
مدينتى : الاسماعيلية
الهواية الهواية : مُقدمَة الكِتَابَ  Painti10
الاوسمه : المدير العام
مُقدمَة الكِتَابَ  Hh7.net_13057668174
المهنة : مُقدمَة الكِتَابَ  Progra10
المزاج المزاج : مُقدمَة الكِتَابَ  Pi-ca-18
احترام قوانين المنتدى : مُقدمَة الكِتَابَ  111010
عدد المساهمات عدد المساهمات : 1246
عدد النقاط عدد النقاط : 10573

مُقدمَة الكِتَابَ  Empty
مُساهمةموضوع: مُقدمَة الكِتَابَ    مُقدمَة الكِتَابَ  I_icon_minitime10th مايو 2011, 2:46 am

بسم الله و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث
رحمةً للعالمين سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين
أما بعد
اهلا يا
زائر
يسر فريق منتدى سفينة ابناء الاسلام
ان يقدم لك

مُقدمَة الكِتَابَ
{ 6 }
بِسِم اللّهِ الرحَمنِ الرحيَمِ
الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين. وبعد:
فإنّ علم الأخلاق هو: العلم الباحث في محاسن الأخلاق ومساوئها، والحث على التحلي بالأولى والتخلي عن الثانية.
ويحتل هذا العلم مكانة مرموقة، ومحلاً رفيعاً بين العلوم، لشرف موضوعه، وسمو غايته. فهو نظامها، وواسطة عقدها، ورمز فضائلها، ومظهر جمالها، إذ العلوم بأسرها منوطة بالخُلق الكريم، تزدان بجماله، وتحلو بآدابه، فإن خلت منه غدت هزيلة شوهاء، تثير السخط والتقزز.
ولا بدع فالأخلاق الفاضلة هي التي تحقق في الانسان معاني الانسانية الرفيعة، وتحيطه بهالة وضّاءة من الجمال والكمال، وشرف النفس والضمير، وسمو العزة والكرامة، كما تمسخه الأخلاق الذميمة، وتحطّه الى سويّ الهمج والوحوش.
وليس أثر الأخلاق مقصوراً على الأفراد فحسب، بل يسري الى الأمم والشعوب، حيث تعكس الأخلاق حياتها وخصائصها ومبلغ رقيها، أو تخلفها في مضمار الأمم.
وقد زخر التاريخ بأحداث وعبر دلّت على أنّ فساد الأخلاق وتفسخها كان معولاً هدّاماً في تقويض صروح الحضارات، وانهيار كثير من الدول والممالك:
{ 7 }
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم*** فأقم عليهم مأتماً وعويلا
وناهيك في عظمة الأخلاق، أن النبي صلّى اللّه عليه وآله أولاها عناية كبرى، وجعلها الهدف والغاية من بعثته ورسالته، فقال:
(بعثت لاُتمّم مكازم الأخلاق ).
وهذا هو ما يهدف إليه علم الأخلاق، بما يرسمه من نظم وآداب، تهذّب ضمائر الناس وتقوّم أخلاقهم، وتوجههم الى السيرة الحميدة، والسلوك الأمثل.
وتختلف مناهج الأبحاث الخلقية وأساليبها باختلاف المعنيين بدراستها من القدامى والمحدثين: بين متّزمت غال في فلسفته الخلقية، يجعلها جافة مرهقة عسرة التطبيق والتنفيذ. وبين متحكّم فيها بأهوائه، يرسمها كما اقتضت تقاليده الخاصة، ومحيطه المحدود، ونزعاته وطباعه، مما يجردها من صفة الأصالة والكمال. وهذا ما يجعل تلك المناهج مختلفة متباينة، لا تصلح أن تكون دستوراً أخلاقياً خالداً للبشرية.
والملحوظ للباحث المقارن بين تلك المناهج أنّ أفضلها وأكملها هو: النهج الاسلامي، المستمد من القرآن الكريم، وأخلاق أهل البيت عليهم السلام، الذي ازدان بالقصد والاعتدال، وأصالة المبدأ، وسمو الغاية، وحكمة التوجيه، وحسن الملائمة لمختلف العصور والأفكار.
وهو النهج الفريد الأمثل الذي يستطيع بفضل خصائصه وميزاته أن يسمو بالناس فرداً ومجتمعاً، نحو التكامل الخُلقي، والمثل الأخلاقية العليا، بأسلوب شيق محبب، يستهوي العقول والقلوب، ويحقق لهم ذلك بأقرب
{ 8 }
وقت، وأيسر طريق.
هو منهج يمثل سموّ آداب الوحي الإلهي، وبلاغة أهل البيت عليهم السلام، وحكمتهم، وهم يسيرون على ضوئه، ويستلهمون مفاهيمه، ويستقون من معينه، ليحيلوها إلى الناس حكمة بالغة، وأدباً رفيعاً، ودروساً أخلاقية فذة، تشع بنورها وطهورها على النفس، فتزكّيها وتنيرها بمفاهيمها الخيّرة وتوجيهها الهادف البنّاء.
من أجل ذلك تعشّقت هذا النهج، وصبوت إليه، وآثرت تخطيط هذه الرسالة ورسم أبحاثها على ضوئه وهداه.
ولئن اهتدى به أناس وقصر عنه آخرون، فليس ذلك بقادح في حكمته وسمو تعاليمه، وإنما هو لاختلاف طباع الناس، ونزعاتهم في تقبّل مفاهيم التوجيه والتأديب، وانتفاعهم بها، كاختلاف المرضى في انتفاعهم بالأدوية الشافية، والعقاقير الناجعة: فمنهم المنتفع بها، ومنهم من لا تجديه نفعاً.
ومما يحز في النفس، ويبعث على الأسى والأسف البالغين، أنّ المسلمين بعد أن كانوا قادة الأمم، وروّادها إلى الفضائل، ومكارم الأخلاق، قد خسروا مثاليتهم لانحرافهم عن آداب الاسلام، وأخلاقه الفذّة، ما جعلهم في حالة مزرية من التخلف والتسيب الخلقيين. لذلك كان لزاماً علهيم - إذا ما ابتغوا العزة والكرامة وطيب السمعة - أن يستعيدوا ما أغفلوه من تراثهم الأخلاقي الضخم، وينتفعوا برصيده المذخور، ليكسبوا ثقة الناس وإعجابهم من جديد، وليكونوا كما أراد اللّه تعالى لهم: (خير أمة
{ 9 }
أخرجت للناس).
وتلك أمنية غالية، لا تُنال إلا بتظافر جهود المخلصين من أعلام الأمة الإسلامية وموجهيها، على توعية المسلمين، وحثهم على التمسك بالأخلاق الإسلامية، ونشر مفاهيمها البنّاءة والإهتمام بعرضها عرضاً شيقاً جذاباً، يغري الناس بدراستها والافادة منها.
وهذا ما حداني إلى تأليف هذا الكتاب، وتخطيطه على ضوء الخصائص التالية:
(1) إن هذا الكتاب لم يستوعب علم الأخلاق، وإنما ضمَّ أهمَّ أبحاثه، وأبلغها أثراً في حياة الناس. وقد جهدت ما استطعت في تجنب المصطلحات العلمية وألفاظها الغامضة، وعرضتها بأسلوب واضح مركّز، يُمتع القارئ، ولا يرهقه بالغموض والإطناب ، الباعثين على الملل والسأم.
(2) إختيار الأحاديث والأخبار الواردة فيه من الكتب المعتبرة والمصادر الوثيقة لدى المحدثين والرواة.
(3) الإهتمام بذكر محاسن الخلق الكريم، ومساوئ الخلق الذميم، وبيان آثارهما الروحية والمادية في حياة الفرد أو المجتمع.
والجدير بالذكر: أن المقياس الخلقي في تقييم الفضائل الخلقية، وتحديد واقعها هو: التوسط والإعتدال، المبرأ من الإفراط والتفريط.
فالخلق الرضيّ هو: ما كان وسطاً بين المغالاة والإهمال، كنقطة الدائرة من محيطها، فإذا انحرف عن الوسط الى طرف الافراط أو التفريط غدى خلقاً ذميماً.
{ 10 }
فالعفة فضيلة بين رذيلتي الشر والجمود: فإن أفرط الانسان يها كان جامداً خاملاً، معرضاً عن ضرورات الحياة ولذائذها المشروعة، وإن فرّط فيها وقصّر، كان شرهاً جشعاً، منهمكاً على اللذائذ والشهوات.
والشجاعة فضيلة بين رذيلتي التهور والجبن: فإن أفرط الشجاع فيها كان متهوراً مجازفاً فيما يحسن الاحجام عنه، وإن فرَّط وقصّر كان جباناً هيّاباً محجماً عمّا يحسن الاقدام عليه.
والسخاء فضيلة بين رذيلتي التبذير والبخل: فإن أفرط فيها كان مسرفاً مبذراً سخياً على من لا يستحق البذل والسخاء، وإن فرّط فيها وقصر كان شحيحاً بخيلاً فيما يجدر الجود والسخاء فيه... وهكذا دواليك.
من أجل ذلك كان كسب الفضائل، والتحلّي بها، والثبات عليها، من الأهداف السامية التي يتبارى فيها، ويتنافس عليها، ذوو النفوس الكبيرة، والهمم العالية، ولاينالها إلا ذو خظ عظيم.
ولم أرَ أمثال الرجال تفاوتاً*** لدى المجد حتى عُد ألف بواحد
وإني لأرجو اللّه عز وجل أن يتقبل مني هذا المجهود المتواضع ويثيبني عليه، بلطفه الواسع، وكرمه الجزيل، وأن يوفقني وإخواني المؤمنين للانتفاع به، والسير على ضوئه، إنّه وليّ الهداية والتوفيق.
الكاظمية مهدي السيد علي اللصدر
{ 11 }
حسن الخلق
حسن الخلق هو: حالة تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، وطيب القول، ولطف المداراة، كما عرّفه الامام الصادق عليه السلام حينما سُئل عن حدّه فقال: «تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن»(1).
من الأماني والآمال التي يطمح اليها كل عاقل حصيف، ويسعى جاهداً في كسبها وتحقيقها، أن يكون ذا شخصية جذّابة، ومكانة مرموقة، محبباً لدى الناس، عزيزاً عليهم.
وإنها لأمنية غالية، وهدف سامي، لا يناله إلا ذوو الفضائل والخصائص التي تؤهلهم كفاءاتهم لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة.
بيد أن جمبيع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والاكبار، وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، الا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضّاء. فإذا ما تجردت منه فقدت قيمها الأصيلة، وغدت صوراً شوهاء تثير السأم والتذمر.
_____________________
(1) الكافي للكليني.
{ 12 }
لذلك كان حسن الخلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحور فلكها، واكثرها إعداداً وتأهيلاً لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبة والاعزاز.
أنظر كيف يمجد أهل البيت عليهم السلام هذا الخلق الكريم، ويطرون المتحلين به إطراءاً رائعاً، ويحثون على التمسك به بمختلف الأساليب التوجيهية المشوقة، كما تصوره النصوص التالية:
قال النبي صلى اللّه عليه وآله: «أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم»(1).
وقال الباقر عليه السلام: «إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً»(2).
وقال الصادق عليه السلام: «ما يقدم المؤمن على اللّه تعالى بعمل بعد الفرائض، أحبّ الى اللّه تعالى من أن يسع الناس بخلقه»(3).
وقال عليه السلام: «إن اللّه تعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق، كما يعطي المجاهد في سبيل اللّه، يغدو عليه و يروح»(4).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «إن صاحب الخلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم»(5).
وقال الصادق عليه السلام: «إن الخلق الحسن يميت الخطيئة، كما تميت الشمس الجليد»(6).
وقال عليه السلام: «البر وحسن الخلق يعمران الديار، ويزيدان
_____________________
(1) الكافي. والأكناف جمع كنف، وهو: الناحية والجانب، ويقال «رجل موطأ الاكناف» أي كريم مضياف.
(2)، (3)، (4)، (5)، (6) عن الكافي.
{ 13 }
في الأعمار»(1).
وقال عليه السلام: «إن شئت أن تُكرمَ فَلِن، وإن شئت أن تُهان فاخشن»(2).
وقال النبي صلّى اللّه عليه وآله: «إنكم لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم»(3).
وكفى بحسن الخلق شرفاً وفضلاً، أن اللّه عز وجل لم يبعث رسله وأنبياءه الى الناس إلا بعد أن حلاّهم بهذه السجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم.
ولقد كان سيد المرسلين صلى اللّه عليه وآله المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم الفضائل والخِلال. واستطاع بأخلاقه المثالية أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء اللّه تعالى عليه بقوله عز من قائل: (وإنّك لعلى خلق عظيم).
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو يصور أخلاق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: «كان أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة. من رآه بديهة هابه. ومن خالطه فعرفه أحبّه، لم أرَ مثله قبله ولا بعده»(4).
_____________________
(1) عن الكافي.
(2) تحف العقول.
(3) من لا يحضره الفقيه.
(4) سفينة البحار - مادة خلق - .
{ 14 }
وحسبنا أن نذكر ما أصابه من قريش، فقد تألبت عليه، وجرّعته ألوان الغصص، حتى اضطرته الى مغادرة أهله وبلاده، فلما نصره اللّه عليهم، وأظفره بهم، لم يشكّوا أنّه سيثأر منهم، وينكّل بهم، فما زاد أن قال لهم: ما تقولون إني فاعل بكم؟! قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وجاء عن أنس قال: كنت مع النبي صلى اللّه عليه وآله، وعليه برد غليظ الحاشية، فجذبه أعرابي بردائه جذبة شديدة، حتى أثرت حاشية البُرد في صفحة عاتقه، ثم قال: يا محمد إحمل لي علي بعيريّ هذين من مال اللّه الذي عندك، فإنك لا تحمل لي من مالك، ولا مال أبيك. فكست النبي صلى اللّه عليه وآله ثم قال: المال مال اللّه، وأنا عبده. ثم قال: ويقاد منك يا أعرابي ما فعلت بي؟! قال: لا. قال: لِمَ؟ قال: لانّك لا تكافئ بالسيئة السيئة. فضحك النبي، ثم أمر أن يحمل له على بعير ش(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))اً، وعلى الآخر تمراً(1).
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن يهوديّاً كان له على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله دنانير، فتقاضاه، فقال له: يا يهودي ما عندي ما أعطيك. فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني. فقال: إذن أجلس معك، فجلس معه حتى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة، وكان أصحاب رسول اللّه يتهدودنه
_____________________
(1) سفينة البحار - مادة خلق - .
{ 15 }
ويتواعدونه، فنظر رسول اللّه إليهم فقال: ما الذي تصنعون به؟! فقالوا: يا رسول اللّه يهودي يحبسك! فقال: لم يبعثني ربي عز وجل بأن أظلم معاهداً ولا غيره. فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل اللّه، أما واللّه ما فعلت بك الذي فعلت، إلا لأنظر الى نعتك في التوراة، فاني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد اللّه، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة، وليس بفظ ولا غليظ، ولا سخّاب، ولا متزين بالفحش، ولاقول الخنا، وأنا أشهد أن لا إله الا اللّه، وأنّك رسول اللّه، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل اللّه، وكان اليهودي كثير المال(1).
وهكذا كان الأئمة المعصومون من أهل البيت عليهم السلام في مكارم أخلاقهم، وسمو آدابهم. وقد حمل الرواة إلينا صوراً رائعة ودروساً خالدة من سيرتهم المثالية، وأخلاقهم الفذة:
من ذلك ما ورد عن أبي محمد العسكري عليه السلام قال: ورد على أمير المؤمنين عليه السلام أخوان له مؤمنان، أب وابن، فقام اليهما وأكرمهما وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين يديهما، ثم أمر بطعام فأحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست وابريق خشب ومنديل، فأخذ أمير المؤمنين عليه السلام الابريق فغسل يد الرجل بعد أن كان الرجل يمتنع من ذلك، وتمرغ في التراب، وأقسمه أمير المؤمنين عليه السلام أن يغسل مطمئناً، كما كان يغسل لو كان الصابّ عليه قنبر ففعل، ثمن ناول الابريق محمد بن
_____________________
(1) البحار م 6 في مكارم اخلاق النبي صلى اللّه عليه وآله.
{ 16 }
الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت على يده، ولكن اللّه عزوجل يأبى أن يُسوي بين ابن وأبيه، إذا جمعهما مكان، ولكن قد صب الأب على الأب، فليصب الابن على الابن، فصب محمد بن الحنفية على الابن.
ثم قال العسكري عليه السلام: فمن اتبع علياً على ذلك فهو الشيعي حقاً(1).
وورد أن الحسن والحسين مرّا على شيخ يتوضأ ولا يُحسن، فأخذا في التنازع، يقول كل واحد منهما أنت لا تحسن الوضوء ، فقالا: أيّها الشيخ كن حَكَماً بيننا، يتوضأ كل واحد منّا، فتوضئا ثم قالا: أيّنا يحسن؟ قال: كلاكما تحسنان الوضوء، ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن، وقد تعلّم الآن منكما، وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على أمة جدّكما(2).
وجنى غلام للحسين عليه السلام جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يضرب، فقال: يا مولاي والكاظمين الغيظ. قال: خلّوا عنه. فقال: يا مولاي والعافين عن الناس. قال: قد عفوت عنك. قال: يا مولاي واللّه يحب المحسنين. قال: أنت حرّ لوجه اللّه، ولك ضعف ما كنت أعطيك(3).
_____________________
(1) سفينة البحار - مادة وضع - .
(2) البحار م 10 عن عيون المحاسن ص 89.
(3) البحار م 10 ص 145 عن كشف الغمة.
{ 17 }
وحدّث الصولي: أنه جري بين الحسين وبين محمد بن الحنفية كلام، فكتب ابن الحنفية الى الحسين: «أما بعد يا أخي فإن أبي وأباك علي لا تفضلني فيه ولا أفضلك، وأمّك فاطمة بنت رسول اللّه، لو كان ملء الأرض ذهباً ملك امّي ما وفت بامّك، فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ
حتى تترضاني، فانك أحق بالفضل مني، والسلام عليك ورحمة اللّه وبركاته» ففعل الحسين فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء(1).
وعن محمد بن جعفر وغيره قالوا: وقف على علي بن الحسين عليه السلام رجل من أهل بيته فأسمعه وشتمه، فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: لقد سمعتم ما قال هذا الرجل، وأنا أحب أن تبلغوا معي اليه حتى تسمعوا مني ردّي عليه.
فقالوا له: نفعل، ولقد كنا نحب أن يقول له ويقول. فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس واللّه يحب المحسنين»، فعلمنا أنه لا يقول له شيئاً.
قال: فخرج حتى أتى منزل الرجل، فصرخ به، فقال: قولوا له هذا علي بن الحسين. قال: فخرج متوثباً للشر، وهو لا يشكّ أنّه إنما جاء مكافئاً له على بعض ما كان منه.
فقال له علي بن الحسين: يا أخي إنّك وقفت عليّ آنفاً وقلت وقلت فإن كنت قلت ما في فأستغفر اللّه منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر اللّه لك. قال: فقبّل الرجل بين عينيه، وقال: بل قلت فيك
_____________________
(1) البحار م 10 ص 144 عن مناقب ابن شهرآشوب.
{ 18 }
ما ليس فيك وأنا أحق به(1).
وليس شيء أدل على شرف حسن الخلق، وعظيم أثره في سمو الانسان واسعاده، من الحديث التالي:
عن علي بن الحسين عليه السلام قال: ثلاثة نفر آلوا باللات والعزى ليقتلوا محمداً صلى اللّه عليه وآله، فذهب أمير المؤمنين وحده اليهم وقتل واحداً منهم وجاء بآخرين، فقال النبي: قدّم اليّ أحد الرجلين، فقدّمه فقال: قل لا إله الا اللّه، واشهد أني رسول اللّه. فقال: لنقل جبل أبي قبيس أحبّ إلي من أن أقول هذه الكلمة،. قال: يا علي أخره واضرب عنقه. ثم قال: قدم الآخر، فقال: قل لا إله إلا اللّه، واشهد أني رسول اللّه. قال: ألحقني بصاحبي. قال: يا علي أخره واضرب عنقه. فأخره وقام أمير المؤمنين ليضرب عنقه فنزل جبرئيل على النبي صلى اللّه عليه وآله فقال: يا محمد إنّ ربك يقرئك السلام، ويقول لا تقتله فانه حسن الخلق سخي في قومه. فقال النبي صلى اللّه عليه وآله: يا علي أمسك، فان هذا رسول ربي يخبرني أنّه حسن الخلق سخيّ في قومه. فقال المشرك تحت السيف: هذا رسول ربك يخبرك؟ قال: نعم. قال: واللّه ما ملكت درهماً مع أخ لي قط، ولا قطبت وجهي في الحرب، فأنا أشهد أن لا اله إلا اللّه، وأنك رسول اللّه. فقال رسول اللّه: هذا ممن جرّه حسن خلقه وسخائه الى جنات النعيم(2).
_____________________
(1) البحار م 11 ص 17 عن إعلام الورى وإرشاد المفيد.
(2) البحار م 15 ج 2 ص 210 في حسن الخلق.
{ 19 }
سوء الخلق:
وهو: انحراف نفساني، يسبب انقباض الانسان وغلظته وشراسته، ونقيض حسن الخلق.
من الثابت أن لسوء الخلق آثاراً سيئة، ونتائج خطيرة، في تشويه المتصف به، وحط كرامته، ما يجعله عرضة للمقت والإزدراء، وهدفاً للنقد والذم.
وربما تفاقمت أعراضه ومضاعفاته، فيكون حينذاك سبباً لمختلف المآسي والأزمات الجسمية والنفسية المادية والروحية.
وحسبك في خسة هذا الخلق وسوء آثاره، أن اللّه تعالى خاطب سيد رسله، وخاتم أنبيائه، وهو المثل الأعلى في جميع الفضائل والمكرمات قائلاً: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك».
من أجل ذلك فقد تساند العقل والنقل على ذمه والتحذير منه، وإليك طرفاً من ذلك:
قال النبي صلى اللّه عليه وآله: «عليكم بحسن الخلق، فانّ حسن الخلق في الجنة لامحالة، وإياكم وسوء الخلق، فان سوء الخلق في النار لا محالة»(1).
وقال الصادق عليه السلام: «إن شئت أن تُكرم فلن، وأن شئت
_____________________
(1) عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق (ره).
{ 20 }
أن تهان فاخشن»(1).
وقال النبي صلى اللّه عليه وآله: «أبى اللّه لصاحب الخلق السيئ بالتوبة، قيل: فكيف ذلك يا رسول اللّه؟ قال: لأنه إذا تاب من ذنب وقع في ذنب أعظم منه»(2).
وقال الصادق عليه السلام: «إنّ سوء الخلق ليفسد العمل كما يُفسد الخل العسل»(3).
وقال عليه السلام: «من ساء خلقه عذّب نفسه»(4).
الأخلاق بين الإستقامة والإنحراف:
كما نمرض الأجساد وتعروها أعراض المرض من شحوب وهزال وضعف، كذلك تمرض الأخلاق، وتبدو عليها سمات الاعتدال ومضاعفاته، في صور من الهزال الخلقي، والانهيار النفسي، على اختلاف في أبعاد المرض ودرجات أعراضه الطارئة على الأجسام والأخلاق.
وكما تعالج الأجسام المريضة، وتسترد صحتها ونشاطها، كذلك تعالج الأخلاق المريضة وتستأنف اعتدالها واستقامتها، متفاوتة في ذلك حسب اعراضها، وطباع ذويها، كالأجسام سواء بسواء.
ولولا إمكان معالجة الأخلاق وتقويمها، لحبطت جهود الأنبياء في تهذيب الناس، وتوجيههم وجهة الخير والصلاح، وغدا البشر من جراء
_____________________
(1) تحف العقول.
(2)، (3)، (4) عن الكافي.
{ 21 }
ذلك كالحيوان وأخس قيمة، وأسوأ حالاً منه، حيث أمكن ترويضه، وتطوير أخلاقه، فالفرس الجموح يغدو بالترويض سلس المقاد، والبهائم الوحشية تعود داجنة أليفة.
فكيف لا يجدي ذلك في تهذيب الانسان، وتقويم أخلاقه، وهو أشرف الخلق، وأسماهم كفاءة وعقلاً؟؟
من أجل ذلك فقد تمرض أخلاق الوادع الخَلُوق، ويغدو عبوساً شرساً منحرفاً عن مثاليته الخلقية، لحدوث إحدى الأسباب التالية:
(1) - الوهن والضعف الناجمان عن مرض الانسان واعتدال صحته، أو طرو أعراض الهرم والشيخوخة عليه، مما يجعله مرهف الأعصاب عاجزاً عن التصبر، واحتمال مؤون الناس ومداراتهم.
(2) - الهموم: فإنّها تذهل اللبيب الخلوق، وتحرفه عن أخلاقه الكريمة، وطبعه الوادع.
(3) - الفقر: فانه قد يسبب تجهم الفقير وغلظته، أنَفَةً من هوان الفقر وألم الحرمان، أو حزناً على زوال نعمته السالفة، وفقد غناه.
(4) - الغنى: فكثيراً ما يجمح بص(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) نحو الزهو والتيه والكبر والطغيان، كما قال الشاعر:
لقد كشف الإثراء عنك خلائقاً***من اللؤم كانت تحت ثوب من الفقر
(5) - المنصب: فقد يُحدث تنمراً في الخُلق، وتطاولاً على الناس، منبعثاً عن ضعة النفس وضعفها، أو لؤم الطبع وخسته.
(6) - العزلة والتزمت: فانه قد يسبب شعوراً بالخيبة والهوان، مما يجعل المعزول عبوساً متجهماً.
{ 22 }
علاج سوء الخلق:
وحيث كان سوء الخلق من أسوأ الخصال وأخس الصفات، فجدير بمن يرغب في تهذيب نفسه، وتطهير أخلاقه، من هذا الخلق الذميم، أن يتبع النصائح التالية:
(1) - أن يتذكر مساوئ سوء الخلق وأضراره الفادحة، وأنّه باعث على سخط اللّه تعالى، وازدراء الناس ونفرتهم، على ما شرحناه في مطلع هذا البحث.
(2) - أن يستعرض ما أسلفناه من فضائل حسن الخلق، ومآثره الجليلة، وما ورد في مدحه، والحث عليه، من آثار أهل البيت عليهم السلام.
(3) - التريض على ضبط الأعصاب، وقمع نزوات الخلق السيّئ وبوادره، وذلك بالترّيث في كل ما يصدر عنه من قول أو فعل، مستهدياً بقول الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله: «أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه». يتبّع تلك النصائح من اعتلت أخلاقه، ومرضت بدوافع نفسية، أو خلقية. أما من ساء خلقه بأسباب مرضية جسمية، فعلاجه بالوسائل الطيبة، وتقوية الصحة العامة، وتوفير دواعي الراحة والطمأنينة، وهدوء الأعصاب.
منقول من كتاب اخلاق اهل البيت مُقدمَة الكِتَابَ  20136
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://sfentalaslam.yoo7.com
 
مُقدمَة الكِتَابَ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: رحله الى الجزيره الاسلاميه :: شطىء الثقافة الإسلامية :: أخلاق أهل البيت-
انتقل الى:  
اجمل الصفحات الاسلاميه على الفيس بوك
ينصح باستخدام متصفح الفايرفوكس

مُقدمَة الكِتَابَ  Uouso_11

غير مسجل
لحظة من فضلك
هذا الموقع وقف لله تعالى ...... نسأل الله عز وجل ان يجعله خالص الوجهه الكرى حقوق النسخ محفوظه لكل مسلم هذا الموقع لا ينتمي إلى أي جهة سياسية ولا يتبع أي طائفة معينة إنما هو موقع مستقل يهدف إلى الدعوة في سبيل الله وجميع ما يحتويه متاح للمسلمين على شرط عدم الإستعمال التجاري وفي حالة النقل أو النسخ أو الطبع يرجى ذكر المصدر ملاحظة :كل مايكتب فى هزا المنتدى لا يعبر عن راى ادارة الموقع او الاعضاء بل يعبر عن راي كاتبه فقط

معلومات عنك ايها العضو

IP

تلاوات 2
FacebookTwitter