امانى .
الجنس : الوطن : مدينتى : الكويت الهواية : المهنة : المزاج : احترام قوانين المنتدى : عدد المساهمات : 233 عدد النقاط : 684
| موضوع: لطائف من القرآن الكريم ........ 27th سبتمبر 2011, 8:19 pm | |
| | |
|
امانى .
الجنس : الوطن : مدينتى : الكويت الهواية : المهنة : المزاج : احترام قوانين المنتدى : عدد المساهمات : 233 عدد النقاط : 684
| موضوع: رد: لطائف من القرآن الكريم ........ 27th سبتمبر 2011, 8:21 pm | |
| الحلقة الرابعة عشرة: حديثنا اليوم من قول الله تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون" إلى قول الحق سبحانه وتعالى في آخر قصة آدم: "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون". حديثنا عن الآيات يتناول العبر والفوائد، يتناول اللطائف والنكات، يتناول الدقائق في التفسير. في قوله تعالى: "لعلكم تتقون" إثبات الغاية من العبادة، وبيان أن غاية عبادة العباد هي تقوى الله تعالى واتقاء عذابه وعقابه في الآخرة، وهذا البيان يتضمن التكذيب لمن يزعم خلافه، ويرد على مَن يقول إنه يعبد الله لا خوفاً من عقابه ولا طمعاً في جنته، وفيه أيضاً الرد لمَن يعيد فوائد العبادات ومصالحها إلى مصالح دنيوية وفوائد جسمانية. وفي قوله تعالى: "جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً "
فوائد ونكات: الفائدة الأولى: إثبات كمال رحمة الله بالخلق في الدنيا، وإثبات أن النعم كلها من عند الله. قال العلماء: إن النعم الحاصلة للعباد إما أن يكون سببها الإيجاد، وإما أن يكون سببها الإمداد، فأما الإيجاد فقد بينه الله تعالى في قوله: "الذي خلقكم والذين من قبلكم"، وأما الإمداد بالنعم فذكره في هذه الآية: " الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً ". الفائدة الثانية: إن قيل: جعل هنا بمعنى صيّر. فهذا فيه دليل على انتقال الأرض من حال إلى حال، وهكذا السماء حتى صارتا كما هي، وقواعد علم طبقات الأرض المسماة بـ (الجيولوجيا) توافق هذا المعنى تمام الموافقة. الفائدة الثالثة: يُستنبط من الآية لطيفة فقهية، وهي أن الإنسان إذا مَلَك أرضاً فإنه يملك قرارها، ويملك ما يُقابله أيضاً من سمائها، فالأرض له فراش والسماء له هواء كما أشارت إليه الآية. وقد فرّع الفقهاء على هذه المسألة مسائل منها: أن الجار لا يتعدى على هواء جاره، ومن المسائل المستحدثة، البحث عن حُكم مرور وسائل النقل الجوية من فوق الأراضي المملوكة للغير، وهل يلزم الإذن بذلك أم لا؟ وهل يملك صاحب الأرض الإذن في جميع الأحوال أم لا؟ الفائدة الرابعة: قال الإمام القرطبي – رحمه الله – قد دلت هذه الآية على أن الله تعالى أغنى الإنسان عن كل مخلوق. وقال غيره: أعلم الله عز وجل في هذه الآية سبيل الفقر، وهو أن يجعل الأرض وطاء والسماء غطاء، والماء طيباً والكلأ طعاماً، ولا نعبد أحداً في الدنيا من الخلق بسبب الدنيا. وفي قوله تعالى: "فأخرج به من الثمرات " إثبات المسببات وأسبابها، أي أن الله تعالى جعل في بعض المخلوقات خواصاً وأسباباً يُتوصل بها إلى الغير، كما جعل في النار خاصية الإحراق، وجعل في الماء خاصية الإحياء للنبات، ولهذا قال تعالى: "فأخرج به" أي بالماء، بسببه، ولو لم يكن الماء سبباً ولم يكن الله قد أودع فيه خاصية الإحياء للنبات لما قال: به، وإنما قال: عنده أو نحو ذلك. وفي قوله تعالى: "فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون " بيان أن المعاصي مع العلم أقبح وأشد من وقوعها مع الجهل، وأن ذنب العالم أعظم من ذنب غيره. وقال تعالى مُتحدياً: "فأتوا بسورة من مثله" أي من مثل القرآن الكريم وهذا فيه غاية التحدي، بأن يأتوا بمثل سورة، وليس بسورة، وهو أقل ما وقع به التحدي، وقد ظن البعض أن التحدي قد وقع بآية، وهذا ليس بصحيح وليس في كتاب الله الكريم، ومن الآيات ما يكون حروفاً مقطعة كقوله تعالى: "الم" وقوله: "طه". وقوله تعالى: "وادعوا شهداءكم من دون الله" فيه فائدتان لطيفتان: الأولى: أن الله أعظم لهم التحدي بأن يأتوا بشهداء من حزبهم هم، لا من حزب الله يشهدون بذلك. الثانية: استدل بعض الفقهاء بالآية على عدم اشتراط العدالة في إثبات العيوب والسلامة لأهل المعرفة، وعللوا ذلك بأن المقصود من العدالة تحقق الوازع عن شهادة الزور، وقد قام الوازع العلمي أو العرفي في شهادة أهل المعرفة مقام الوازع الديني، لأن العارف حريص ما استطاع ألاّ يؤثر عنه الغلط والخطأ (أفاده ابن عاشور في تفسيره). وقال تعالى: "فإن لم تفعلوا " أي في الحاضر، وهذا تحدٍّ عظيم، ثم قال: "ولم تفعلوا" أي في المستقبل وهذا تحدٍّ أعظم. قال العلماء: قد تضمنت الآية إعجازين: الأول: التحدي لهم بأن يأتوا بمثل سورة من القرآن. والإعجاز الثاني: أنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بمثل سورة من القرآن. وفي قوله تعالى: "فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة" توبيخ للمشركين بتغليظ وتبليد، كأنه يقول لهم: أنتم والحجارة سواء في نار جهنم، كما كنتم في الدنيا كالحجارة لا تفهم ولا تعي عن الله، وكما كانت قلوبكم قاسية كقسوة الحجارة لا تتأثر بمواعظ الله. وفي قوله تعالى عن النار: "أعدت للكافرين" إثبات أن النار موجودة مخلوقة الآن، وهذا هو المذهب الحق الذي عليه أهل السنة، وخالف فيه بعض أهل البدع. وقوله سبحانه: "وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات" دليل على أن العمل من الإيمان ويُعرف هذا من وجهين: الأول، أن الجنة تُنال بالإيمان وبالعمل الصالح معاً، ولهذا جمع الله بينهما في الآية، والإيمان المُتنازع فيه هو الإيمان الذي يُدخل الجنة. الوجه الثاني: قال القرطبي – رحمه الله -: قوله تعالى:"وعملوا الصالحات " رد على مَن يقول: إن الإيمان يقتضي الطاعات؛ لأنه لو كان ذلك ما أعادها. انتهى. وقال سبحانه:"إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها " قال ابن عاشور– رحمه الله-: أن الآيات السابقة اشتملت على تحدي البلغاء بأن يأتوا بسورة مثل القرآن، فلما عجزوا عن معارضة النظم سلكوا في المعارضة طريق الطعن في المعاني. وقوله تعالى: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً" فيه فوائد: الأولى: صحة مذهب جمهور الفقهاء في إباحة كل ما في الأرض مما يُنتفع به، وليس فيه ضرر، ولم يحرم، وأن الأصل في الأشياء الإباحة لا التحريم. قال الفقهاء: لو اشتبه علينا حل حيوان وحرمته فالأصل إباحته، ولو اشتبه علينا حل عمل دنيوي أو حرمته فالقول لمَن قال بالإباحة حتى يأتي المُحرم بدليل. الثانية: في قوله: "لكم" إظهار تكريم الله لعباده، وتفضله عليهم، وأنه سبحانه قصدهم بالانتفاع. الثالثة: قال القرطبي – رحمه الله -: قال علماؤنا – رحمهم الله – خوف الإقلال من سوء الظن بالله، لأن الله خلق الأرض بما فيها لولد آدم. الرابعة: في الآية إثبات أن الإنسان هو الكائن الأعلى في الأرض، وأنه هو المخلوق الأول الذي يُخدم ولا يَخدم في هذا الميدان الواسع، وأنه هو سيد الأرض وسيد الآلة. (أفاده صاحب الظلال). ويتفرع عن هذه الفائدة: أن القيم الإنسانية مُقدمة على القيم المادية، وأن فيها هدماً لمناهج الغربيين في تقديس المادة، وإبطال كل هدف ينطوي على تصغير قيمة الإنسان، وأن المادة مُسخرة للإنسان لا أن تستذله أو تستعلي عليه (أفاده صاحب الظلال). الفائدة الخامسة: في الآية الكريمة الحث على إثارة الأرض، والعمل في استعمارها، والتقدم في بنائها وعمرانها والانتفاع بها. وقال تعالى: " جميعاً " ليتحصل الانتفاع بكل الأرض لا ببعضها. وفي هذا غاية التقدم المادي والتطور الحضاري. الفائدة السادسة: في قوله تعالى: "لكم" إثبات تعليل أفعال الله تعالى وتعلقها بالأغراض. وقد نقل الشاطبي – رحمه الله – في الموافقات عن جمهور علماء المسلمين: أن أحكام الله تعالى مُعللة بالمصالح ودرء المفاسد. ننتقل إلى قصة آدم عليه السلام وذكر خلقه وخلافته. قال تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " قال القرطبي – رحمه الله -: هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة ليُسمع له ويُطاع، لتُجمع به الكلمة، وتستفيد به أحكام الخليقة. وفي الآية: إثبات أن الملائكة مخلوقات لها عقول مُدركة، ولها إرادات وهم يتحاورون ويتكلمون، فلهم القدرة على الأعمال، وفي هذا إبطال لقول بعض الفلاسفة: أن الملائكة عبارة عن القوى الخيرية وأنها ليست أجساماً تعقل وتتكلم. وفي الآية: إثبات صفة الكلام لله تعالى، وأن كلامه سبحانه مسموع، سمعته الملائكة، وأجابوا عليه، وهذا هو الحق. وفي قوله تعالى: " ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " إثبات كمال عبادة الملائكة، وإثبات كمال تعظيمهم لله سبحانه، ويُفهم هذا من جهات مُتعددة: الأولى: قوله: " نُسبح بحمدك " أي بالقول. " ونُقدس لك " أي بالاعتقاد، فجمعوا في تعظيم الله بين القول وبين الاعتقاد. الثانية: لفظ (نسبح بحمدك ونُقدس لك) جملة اسمية والجملة الاسمية تفيد الدوام والثبات، بمعنى نحن ملازمون لتسبيحك وتحميدك مستمرون على ذلك. الثالثة: قالوا: "نُقدس لك" ولم يقولوا: نُقدسك. قال بعض العلماء: فائدة اللام هنا لمزيد الاختصاص، أي نُقدسك أنت ولا نُقدس غيرك. وقوله: " اسكن أنت وزوجك الجنة" أي اتخذا الجنة مسكناً، قال بعض العلماء: في لفظ (اسكن) تنبيهاً على الخروج، لأن السكنى لا تكون ملكاً، وهذا معنى عُرفي لا لغوي، ولهذا لو أسكن رجلا منزلا له، لم يكن بذلك قد ملكه. في قوله تعالى: "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين"فائدتان أصوليتان: الأولى: دلت الآية على أن النهي من الشرع يقتضي التحريم، لأن الله خلقه على الظلم، والظلم محرم. الثانية: أن الله لم ينهِ عن أكل الشجرة فقط، ولكن عن كل ما يدعو إلى الأكل منها، قال ابن عطية – رحمه الله -: وهذا مثال يبين في سد الذرائع. وقوله تعالى عن الملائكة: "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم " استنبط منه العلماء فائدتين: الأولى: أن الواجب على مَن سأل عن علم لا يعلمه أن يقول: الله أعلم، لا علم لي ولا أدري، اقتداء بالملائكة عليهم السلام. الثانية: في قوله تعالى: "مما نزلنا على عبدنا" إثبات صفة العلو لله تعالى، لأن التنزيل لا يكون إلا من عند الأعلى إلى الأدنى.
الحلقة الخامسة عشرة: الحديث في هذه الحلقة عن قول الله تعالى: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم " إلى قول الحق سبحانه: "فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين ". ولنذكر لك أخي الكريم من فوائد الآيات، ومن لطائف الإشارات، ونكات التأويل. في قوله: "يا بني إسرائيل" تهييج للمدعوين أن يستجيبوا للحق، وترغيب لهم أن يمتثلوا أمر الله ويدخلوا في دينه كما كان أبوهم إسرائيل، الذي هو يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام، قال ابن كثير – رحمه الله -: تقدير الآية: يا بني العبد الصالح المُطيع لله كونوا مثل أبيكم في مُتابعة الحق. ويتفرع عن هذه الفائدة قاعدة دعوية وطريقة شريفة في مُخاطبة الناس، فإذا أردنا أن ندعوهم إلى الحق فإن الواجب أن نتخير أحسن اللفظ، وأن نأتي بأفضل الكلمات التي تُرغبهم في قبول الحق. وقال سبحانه: "أوفوا بعهدي أوف بعهدكم"بينه في سورة المائدة بقوله تعالى:"ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار فمَن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل". وفي قوله تعالى: "واركعوا مع الراكعين" فوائد:- الأولى: الإرشاد إلى شهود الجماعة، والخروج إلى المساجد، استدل بها بعض الفقهاء على وجوب الجماعة، قالوا: لأن الأمر يقتضي الوجوب، ولفظ (مع) يقتضي الوجود والمصاحبة، ويقوي هذا المسلك أن الأمر بوجوب مطلق لصلاة قد مضى في أول الآية. ولا معنى هنا لتكراره سوى الإرشاد إلى الجماعة. الفائدة الثانية: تضمنت الآية الإشارة إلى وجوب أن يدخل اليهود في دين محمد صلى الله عليه وسلم وفي صلاته وعبادته. ولفظ الأمر بالركوع دال عليه، إذ إن صلاتهم لا ركوع فيها. قال مُقاتل: أمرهم أن يركعوا مع أمة محمد، يقول: كونوا معهم ومنهم. الفائدة الثالثة: دلت الآية على إيجاب الصلاة كاملة بأركانها وشروطها، كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، وكما يفعله المسلمون العابدون الله تعالى من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ووجه الدلالة: إن الله تعالى أمر بركن الركوع، والأمر ببعض أركان الصلاة دالٌ على غيره من الأركان والشروط، وهذا من باب دلالة الفرد على النوع والجنس. ويتفرع عن هذه الفائدة: وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلمفي تفسيره لمجمل القرآن الكريم، لاسيما في أمر العبادة. ويتفرع كذلك من الفوائد: وجوب اتباع سبيل المؤمنين والاقتداء بهم في العبادات الشرعية، واتباعهم لا مُخالفتهم. وفي قوله تعالى: "ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً " الإشارة اللطيفة إلى أن جميع ما في الدنيا ثمناً قليلاً مهما عظم ومهما كبر. وفي قوله تعالى: "واستعينوا بالصبر والصلاة" الإشارة إلى أن في الصلاة سراً إلهيّاً عظيماً في تجلية الأمر وفي كشف الغم عن النفس. وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلمأنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة. وقوله: "وإنها لكبيرة" أي مجموع الصبر والصلاة، فهما كالدواء الواحد يُشار إليه بضمير الفرد. كما قال سبحانه: "والله ورسوله أحق أن يرضوه". وفي قوله تعالى: "يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم" فائدتان:- الأولى: أنه نسب الذبح إلى آل فرعون، والآمر به هو فرعون؛ وذلك لأنهم هم الذين يُباشرون الذبح. ويتفرع عن هذه فائدة وقاعدة، وهي أن مَن أمره ظالم بقتل أحد أو ظلمه فقتله فإن المُباشر للفعل مؤاخذ بالفعل، كما يؤاخذ الآمر سواء بسواء، إلا في أحوال خاصة بيّنها العلماء. الثانية: قال: "ويستحيون نساءكم" ولم يقل: بناتكم كما قال: "أبناءكم"! قال بعض أهل التفسير: لأن الغرض من إبقاء عنصر الإناث وهو الاستمتاع بهن والتلذذ المحرم وهذا أعظم في الابتلاء كما أخبر الله سبحانه: " وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ". وقال سبحانه: "وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون" قال أهل اللغة: فائدة " مِن " الإشارة إلى استعجالهم في المخالفة، وبيان أنهم اتخذوا العجل ابتداء من أول زمن بعد مغيب موسى - عليه السلام - عنهم. في قوله تعالى: "وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" فائدة، قال رشيد رضا – رحمه الله -: تضمنت الآية تقريراً لقاعدة مهمة، وهي أن كل ما يطلبه الدين من العبد فهو لمنفعته، وأن كل ما نهاه عنه فإنما يقصد به دفع الضرر عنه. ويتفرع عن هذه القاعدة: إثبات التعليل لأوامر الله الشرعية، وبناءً عليه إثبات صحة القياس في شرعنا، وأن ما لم ينص الشرع على إباحته أو تحريمه، فهو مُلحق بنظيره مما نص عليه الشارع. وقال سبحانه: "فبدل الذين ظلموا" ثم قال: " فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً " كرر لفظ (الظلم) هنا مرتين، لماذا؟ قال العلماء: تشنيعا عليهم ولتعظيم الأمر عليهم، وإشارة إلى أنهم كانوا ظالمين فيما بدلوه، وإلى أنهم استحقوا الرجز بسبب الظلم. وفي قوله عز وجل: "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم " فائدة شرعية، وهي أن الألفاظ التي أمر الله تعالى بها عباده أن يقولوها، وأراد منهم أن يلتزموا بها لفظاً ومعنى، لا يجوز تبديلها ولا تغييرها ولا تحريفها. قال العلماء: من ذلك في شريعتنا ألفاظ القرآن الكريم، والذكر المخصوص في الصلاة، والأذكار الشرعية النبوية. وقال سبحانه: "وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر … الآية " ذكر العلماء فيها فوائد وأحكاماً: أولاً: مشروعية الاستسقاء والتوسل بدعاء الرجل الصالح كما قال بعد ذلك: "فادع لنا ربك". الفائدة الثانية: جواز توزيع الماء بين الناس إذا حصل بينهم تشاحٌ عليه وتكاثر على طلبه. الفائدة الثالثة: في قوله تعالى: "قد علم كل أُناس مشربهم" دليل على صاحب البئر والنبع من الماء وهو أحق به من غيره، وهذه الفائدة من قوله: " مشربهم " فأضاف المشرب إلى صاحبه. في قوله تعالى: "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير" فائدتان تتعلق بآداب الأكل:- الأولى: جواز تخير الأطيب من الطعام، ويتفرع عن هذا أن العاقل لا يتخير الأدنى على الأعلى من أمور الدين من باب أولى. والثانية: من لفظ الآية نستفيد جواز قول القائل: هذا الطعام أطيب من هذا، وذاك الطعام أدنى من ذاك، وليس في هذا اللفظ ازدراء لنعمة الله كما يُفهم من سياق الآية وتقريرها. وقال سبحانه: "اهبطوا مصراً " لماذا قال "مصراً" ولم يقل: مصر؟ قال علماء البيان: التنوين يدل على التنكير، وعدمه يدل على العلمية، والعلم ممنوع من الصرف، يعنى لفظ (مصرَ) بدون تنوين يعني البلدة المعروفة، و (مصراً) يعني بلدة من البلدان، وهذا هو المراد. وقال سبحانه: "ويقتلون النبيين بغير الحق" في قوله: "بغير الحق" نكتتان:- الأولى: زيادة التشنيع عليهم. الثانية: أن فعلهم هذا منكر حتى في معتقدهم ودينهم، فهو بغير حق حتى عندهم، وأنه لم يكن لهم فيه عذر ولا تأويل ولا جهل، قال بعض المفسرين: دل لفظ الآية على شدة التقبيح لفعلهم، فهو أولاً: قتل نبي لا أي نفس، وثانياً: قتل جماعة لا واحد، وثالثاً: كونه بغير حق. والله تعالى أعلم.
| |
|
امانى .
الجنس : الوطن : مدينتى : الكويت الهواية : المهنة : المزاج : احترام قوانين المنتدى : عدد المساهمات : 233 عدد النقاط : 684
| |
امانى .
الجنس : الوطن : مدينتى : الكويت الهواية : المهنة : المزاج : احترام قوانين المنتدى : عدد المساهمات : 233 عدد النقاط : 684
| موضوع: رد: لطائف من القرآن الكريم ........ 27th سبتمبر 2011, 8:24 pm | |
| الحلقة التاسعة عشرة: يقول الله تعالى: "وقالوا لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً أو نصارى " يحكي الله مقالة اليهود والنصارى، ثم رد عليهم سبحانه فقال: "تلك أمانيهم ". أي هي مجرد أماني، وهاهنا نكتة بلاغية: جمع لفظ ( الأماني ) مع أن ما أُشير إليه أمنية واحدة، لماذا؟ قال صاحب الانتصاف: ليُفيد جمعها أنها متأكدة في قلوبهم، بالغة منهم كل مبلغ. وقال غيره: ليدل على تردد الأمنية في نفوسهم مرة بعد مرة. قال أهل اللغة: الجمع هنا يدل على الزيادة وعلى التأكيد، والجمع يُفيد بوضعه الزيادة في الآحاد، فينتقل هنا إلى تأكيد الواحد، وإلى إبانة زيادته على نظرائه. وقوله: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين " هي أيضاً رد على دعواهم السالفة، وإبطال لمقولتهم الفاسدة، والتأكيد على أنها مقولة مُجردة عن البرهان. وقد أشارت الآية إلى أصول النظر والمُحاجة، وإلى تقعيد الأدلة والبينات. فهذه الآية دلت على بطلان القول بغير علم ولا برهان، قال في الكشاف: هذا أهدم شيء لمذهب المقلدين، وأن كل قول لا دليل عليه فهو غير ثابت. واستُنبط منها قاعدتان في أصول النظر: الأولى، إثبات حجية النظر، والرد على مَن ينفيه. والثانية، مُطالبة المُدعي بالدليل والبرهان، نفياً وإثباتاً. وفي قوله سبحانه: "بلى مَن أسلم وجهه لله وهو محسن" الإشارة إلى سر قبول الأعمال عند الله، وهو توافر شرطين: الأول: الإخلاص وأشار إليه بقوله: "أسلم وجهه لله" أي أخلص توجهه وقصده. والشرط الثاني: الموافقة لهديه صلى الله عليه وآله وسلم وسنته، وأشار إليه بقوله: "وهو مُحسن" أي مُحسن في عمله. وفي قوله تعالى: "كذلك قال الذين لا يعلمون" النعي على أهل الكتاب، وأنهم والمشركون الذين لا يعلمون سواء، كأنه يقول لهم: من المُفترض أن يُميزكم العلم، ومن المُفترض ألاّ تكونوا وأنتم أهل كتاب كمَن لا كتاب لهم ولا علم لديهم. وفي قوله تعالى: "ومَن أظلم ممن منع مساجد الله " فوائد: الأولى: الإشارة إلى أن منع الذكر في مساجد الله هو أعظم الظلم، قال العلماء: "مَن أظلم" أي: لا أحد أظلم منه. ويتفرع عن هذا الإشارة إلى أن الأصل هو جواز الذكر في المسجد في جميع الأوقات، وأنه لا يجوز منع الذكر فيه إلاّ بدليل يصلح لإخراجه من العموم. الفائدة الثانية: استُدل بالآية على حُرمة منع المرأة من الحج إذا كانت صرورة – أي لم يسبق لها الحج – استدلوا بها أيضاً على عدم منع المرأة من حضور المساجد لصلاة الجماعة، ولِسماع الموعظة؛ إذا لم يخف الفتنة منها أو عليها. الفائدة الثالثة: قال القرطبي رحمه الله: دلت الآية على تعظيم أمر الصلاة، وأنها لما كانت أفضل الأعمال كان منعها أعظم الآثام. وفي قوله تعالى: "أن يُذكر فيها اسمه" الإشارة إلى أن المساجد إنما وُضعت للذكر والعبادة والصلاة، ويتفرع عنه: النهي عن كل ما ليس من الذكر، كإيقاع البيع والشراء والإجارة وإنشاد الضالة، وغيرها من أعمال الدنيا المحضة. وقوله: (ما كان لهم أن يدخلوها إلاّ خائفين (إرشاد المؤمنين إلى حماية بيوت الله من الكافرين، وأن يجعلوهم بحالة إذا أرادوا الدخول كانوا على وجل وخوف من أن يفطن لهم أحد من المسلمين فيُنزلون بهم الأذى والإذلال. ويتفرع عن هذا الإرشاد: إرشاد المسلمين إلى العزة والقوة، وإلى المحافظة على مُقدساتهم، وإلى حماية شعائرهم، وتطهيرها من تدنيس المشركين من يهود ونصارى وثنيين وغيرهم. وفي قوله سبحانه: "وقالوا اتخذ الله ولداً" لطائف وفوائد: الأولى: في لفظ (اتخذ) الإشارة إلى بطلان قولهم وتناقضهم؛ لأن الولد لا يُتخَذ ولا يُصنع، ولكن يحصل بالولدية والمُجانسة، كما في قوله سبحانه: " أنّى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة ". الفائدة الثانية: استدل بها بعض الفقهاء على أن مَن مَلَكَ ولده أُعتِقَ عليه؛ لأن الله تعالى نفى الولدية بإثبات العبودية، فدل ذلك على تنافي الماهيتين، وهو استرواح حسن. الفائدة الثالثة: ويتفرع من الفوائد: الإرشاد إلى حُسن تربية الأولاد، وأن الولد لا يُعامل كما يُعامل العبد، ولا يخضع كخضوع العبد فإن هذا يتنافى مع الولدية، وهو أيضاً يتنافى مع التربية السليمة وغرس الشخصية والعزيمة. وقال سبحانه: "بل له ما في السماوات والأرض" وقال: "كل له قانتون" ففي الأول جاء بلفظ (ما) الدال على غير العاقل، وفي الثاني جاء بلفظ (كل) الدال على العاقل، لماذا؟ في الجملة الأولى: إشارة إلى المِلك، والمعهود في الذائقة أن الملك عادة يتعلق بما لا يعقل، وفي الجملة الثانية: كان الكلام متوجهاً للقنوت والخضوع لله، والقنوت هو من عمل العقلاء. قال في المنار: وهذا كما ترى من أدق التعبير وألطفه، وأعلى البيان وأشرفه.
وفي قوله تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم " فوائد: الأولى: تكرار النفي بقوله: "ولا النصارى" للإشارة إلى أن رضا النصارى قد يكون غير رضا اليهود، وللتأكيد بأن النصارى يتصفون بنفس صفة اليهود في هذا الأمر، ولو كانوا أقل عداوة كما أخبر في آية أخرى. الثانية: استدل كثير من الفقهاء بقوله: "حتى تتبع ملتهم" على أن الكفر ملة واحدة، وفرّعوا عن هذه مسائل أهمها: مسألة توارث اليهودي والنصراني إذا كانا قريبين. الثالثة: من فوائد الآية: التحذير من صنوف الغزو الفكري والغزو الأخلاقي من قِبل اليهود والنصارى، إلى أهل الإسلام والإيمان، وهذه مسألة المسائل في عصرنا هذا. الرابعة: في الآية كذب مَن يقول: أن عداوة الكفار لنا ليست دينية، وإنما هي عداوة اقتصادية أو سياسية أو أطماع استعمارية. ونحن إما أن نُصدقهم ونكذب الله – عياذاً بالله – أو أن نُكذبهم ونُصدق الله، ومَن أصدق من الله قيلاً. وفي قوله تعالى: "يتلونه حق تلاوته " فوائد: الأولى: دلت الآية على وجوب الاستهداء بالقرآن، وأن كل مَن يتلو القرآن ويتدبره بصدق يستهدي به. ويتفرع عن هذا: إثبات أن القرآن مُعجز بهدايته العامة التي لا يُشاركه فيها كتاب ولا كلام. الثانية: فُسر لفظ (يتلونه) أي يتبعونه، قال ابن عباس: يتبعونه حق اتباعه، ثم قرأ "والقمر إذا تلاها". وقال ابن مسعود: يُحلون حلاله، ويُحرمون حرامه، ولا يُحرفونه عن مواضعه. ومن اللطائف: أنه عبّر عن العمل بالقرآن وبتدبره وفهمه عن طريق لفظ (التلاوة) لِيدلنا على أن ذلك هو المقصود من التلاوة التي يشترك فيها أهل العلم والفهم وغيرهم. الثالثة: إيجاب تلاوة القرآن تلاوة صحيحة، وإقامة حروفه من غير اعوجاج، والترتيب بين آياته وألفاظه، فهذا كله يدخل في حق التلاوة.
الحلقة العشرون: الحديث في هذه الحلقة عن قصة خليل الرحمن إبراهيم في سورة البقرة: يقول الله تعالى: "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن" يُخبر الله أنه امتحن عبده إبراهيم فوفى الامتحان وبادر إلى الامتثال. قال العلماء: جيء (بالفاء) في قوله:"فأتمهن "للدلالة على الفورية في الامتثال إلى أمر ربه. " قال: إني جاعلك للناس إماماً. قال: ومن ذريتي؟ " في الآية مشروعية التخصيص بالدعاء للقرابة في موضع لائق به. ومن فوائدها: العناية الفائقة بالأقربين في توجيه أسباب الدعوة وإنالتهم للخير، ومُباشرة إصلاحهم بالوسائل الدعوية النافعة. ومن فوائدها: بيان أدب الدعاء مع الرب سبحانه، فهو لم يقل: ذريتي. بل قال: ومن ذريتي. مُراعاة لحكمة الله وسنته الجارية المعروفة، التي تقتضي ألاّ يكون نسل الرجل الواحد كلهم أئمة. وقال: "ومن ذريتي" ولم يقل: أبنائي! ليُشرك في ذلك اللفظ أبناء البنات، ولا يخص به العصبة، وهو خلاف العصبية القبلية لأبناء الأبناء دون أبناء البنات. وقال سبحانه جواباً على دعاء الخليل: "لا ينال عهدي الظالمين" قال المُفسرون: أي لا يستحق الإمامة مَن تلبس بالظلم. وقد استدل الفقهاء بها على اشتراط العدالة في منصب الإمامة، وأن غير العدل لا يصلح أن يكون قاضياً ولا مُفتياً ولا شاهداً ولا حاكماً ولا إمام صلاة، وفي هذا تفصيل عند كتب الفقهاء. وفي قوله تعالى: "وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً " ثلاث فوائد: الأولى: قوله: "مثابة" أي يثوبون إليه من البلدان كلها، مرة بعد مرة، مع المحبة والاشتياق، كما قيل: جعل البيت مثابة لهم، ليس منه يقضون الوطر. ويتفرع عن هذه الفائدة: إقرار الشوق للأعمال الصالحة، والسرور بالعبادات والطاعات، ويتفرع عنه: بأن مَن يأتي إلى البيت يشتاق إلى الرجوع إليه، وإذا لم يكن كذلك؛ فليُراجع الإنسان نفسه، وقد علمنا وعلم غيرنا من حال الناس، حرصهم الشديد على الذهاب إلى هذا البيت، وأداء العبادة فيه، وتكليف النفس لذلك حتى من غير المستطيع، أكثر من غيره من العبادات، ولعل السر في هذا عند قوله: " مثابة للناس ". الفائدة للثانية: قوله: "وأمناً " استدل به أبو حنيفة وجماعة على ترك إقامة الحدود في الحرم. قالوا: أمناً، أي اجعلوه أمناً. الفائدة الثالثة: قال: "مثابة للناس" ولم يقل: أمناً للناس، لماذا؟ ليُشير إلى أن الأمن عام للناس ولغيرهم، أي أن البيت يأمن فيه حتى غير الناس، من النبات والحيوان والوحش وغيرهم. وقال سبحانه: "طهرا بيتي" أضاف الباري سبحانه البيت إليه لفائدة التشريف والتعظيم له، ولاِهتمام إبراهيم وإسماعيل به لكونه بيت الله، وللإشارة إلى أن هذه الإضافة هي السبب في كونه مثابة للناس وأمناً، وفي كونه تهفو القلوب إليه والأفئدة. وقال سبحانه: " للطائفين والعاكفين والركع السجود" رتبهم بحسب اختصاصهم، فالطائف لا يكون إلاّ في المسجد الحرام، والعاكف يكون في كل مسجد، والركع السجود في كل مكان. وقال سبحانه: "الركع السجود" ولم يقل المصلين، مع أن لفظ (المصلين) أخصر وأدل، لماذا؟ قيل: لفائدة عظيمة: وهي أن المقصود الصلاة ذات الركوع والسجود، أي صلاة المسلمين الحنفاء لا صلاة اليهود والنصارى. ومن الفوائد الفقهية في الآية: الإرشاد إلى كون الطائف بالبيت مُتطهراً، كيف؟ لأن الأمر بتطهير البيت لأجل الطائف يقتضي تطهر الطائف نفسه ومن باب أولى. ومن الفوائد الفقهية أيضاً: استدل جماعة من السلف بالآية على جواز أداء صلاة الفريضة في جوف الكعبة، كجواز أداء النافلة فيها؛ لعموم لفظ الآية، عموم لفظ (الركع السجود)، وعموم لفظ (بيتي)، فالأول يدخل فيه كل صلاة، فريضة أو نافلة. والثاني يدخل فيه كل موضع من البيت جوف الكعبة وغيره. وقوله: "طهرا" لفظ يُفيد العموم والمُبالغة، فيدخل فيه كل تطهير حسي ومعنوي، ويدخل فيه ما يُمنع منه شرعاً، كالحائض والجنب والمُشرك. وقوله: "اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات " الإشارة إلى أهم عنصرين من عناصر المدنية الفاضلة والحياة السعيدة في الدنيا، وهما: الأمن والرزق. قال بعض المتأخرين: هذه أول مظاهر تكوين المدينة الفاضلة التي دعا أفلاطون لإيجادها بعد بضعة عشر قرناً. وقيل: إن الخليل عليه السلام أراد بهذه الدعوة الإعانة على إقامة الدين وتحقيق الملة الحنيفية وخدمة البيت العتيق، فلا يضطر أهله إلى الخروج منه، ولا إلى الانشغال عنه. ويتفرع عن هذه الفائدة: أن من أعظم الوسائل في تقوية الدعوة إلى الله وتهيئة الناس للإصلاح والعبادة، أن يتوفر لهم الأمن وأن يتوفر لهم الرزق. فالأول فقده يستتبع انشغال القلب، والثاني فقده يستتبع انشغال البدن بالبحث عن الرزق. وقد أجاب الله إبراهيم في دعائه الأول بقوله: "لا ينال عهدي الظالمين" . وأجابه هاهنا بقوله: "ومَن كفر" أي وأرزق كذلك مَن كفر، كما أرزق مَن آمن في الدنيا. والنكتة هاهنا: أن عطاء الألوهية غير عطاء الربوبية، العطاء الذي يكتبه الله للبشر بصفة الألوهية والعبودية الخاصة، هو خاص بأهل الإيمان، لا يناله الظالمون. وأما العطاء الذي تكفله الله للخلق بصفة كونه رباً وخالقاً، فهذا يناله المؤمن والكافر، ويناله العدل والظالم، كما قال: "ومَن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار". وفي قوله تعالى: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل" فوائد: الأولى: "يرفع" جاء بلفظ المضارع؛ ليحكي أمراً قد قُضي، والمضارع دال على زمن الحال، قالوا: الفائدة هي استحضار صورة البناء في ذهن السامع. الثانية: قال: "يرفع " ولم يقل: يبني، وبينهم فرق. قال أهل الهندسة: كل بناء له طول وله عرض وله ارتفاع، والرفع هو الصعود والإعلاء، والرفع لا يكون إلاّ لشيء موجود من قبل. وقد اُستُفيد من هذا اللفظ: أن البيت كان قد بُني من قبل، وإنما هُدم وطُمر فجاء الخليل عليه السلام لِيرفع قواعده، وأصرح منه في الدلالة قوله عليه السلام: " ربِّ إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم " قاله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يبني البيت، وكان إسماعيل إذ ذاك رضيعاً. الثالثة: تأخر ذكر إسماعيل بعد ذكر البيت، لماذا؟ قيل: للإشارة إلى أن المأمور من الله ببناء البيت هو إبراهيم، وأن إسماعيل هو إنما كان مُساعداً له. كرر النداء بقصد إظهار الضراعة إلى الله والتملق وحُسن السؤال له سبحانه. ولفظ (رب) يستجلب التحنن من الرب على العبد
ومن فوائد التكرار هذا: الإفادة بأن كل طلب من هذه المطالب هو مقصود لذاته.
وفي قوله تعالى: "أرنا مناسكنا" الإشارة إلى العناية بمعرفة مكان العبادة، إذا كانت مُقيدة بمكان مُعين، مثل الطواف بالبيت، ومثل السعي بين الصفا والمروة، ومثل الوقوف بعرفة، ورمي الجمار. ومن الفوائد: إثبات الصفة المُختصة بالعبادات، وأن مَن جاء بها بغير هيئتها المخصوصة، فهو لم يأتِ بها على الوجه الصحيح. ويتفرع عن هذه الفائدة: الرد لجميع البدع التعبدية الدينية، وأن الله تعالى لم يرض بها. والله تعالى أعلم. | |
|