هل استحضرت نيتك ؟!
قال العلماء أن النية من أعمال الاستغراق ؛ فأنت لا يكفي أن تستحضر نيتك قبل العمل ، بل ينبغي أن تستحضرها و أن تجددها كذلك أثناء العمل ، لا بد أن تذكر نفسك دائماً بغايتك من هذا العمل ، و هل حركك عليه هوى النفس ، أم المحرك له هو الله تعالى ؟ . قال الحسن البصري : (( رحم الله عبداً وقف عند همه ، فإن كان لله مضى ، و إن كان لغيره تأخر )) . فهذه المراقبة مهمة و ضرورية .
و استحضار النية يحتاج أحياناً إلى مجاهدة النفس لإخلاصها لله تعالى ، و تخليصها مما قد يعلق بها من شوائب تكدر صفو هذا الإخلاص ، كالرياء و حظوظ النفس و بعض المصالح و المنافع الدنيوية ، و غير ذلك ، فالعمل بغير نية عناء ، و النية بغير إخلاص رياء . قال الإمام الغزالي : (( إنما النية انبعاث القلب ، و تجري مجرى الفتوح من الله تعالى ، و ليست النية داخلة تحت الاختيار ، فقد تتيسر في بعض الأوقات ، و قد تتعذر ، و إنما تتيسر في الغالب لمن قلبه يميل إلى الدين دون الدنيا )) . و بقدر الإخلاص في العمل لله يكون الأجر و الثواب . يقول الشيخ محمد الغزالي – يرحمه الله - : (( ألا ما أنفس الإخلاص و أغزر بركته ، إنه يخالط القليل فينميه حتى يزن الجبال ، و يخلو منه الكثير فلا يزن عند الله هباءة )) . و كان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه يقول - : (( اللهم اجعل عملي كله صالحاً ، و اجعله لوجهك خالصاً ، و لا تجعل لأحد فيه شيئاً )) .
فالذي يخلص نيته لله لا يزور قريبه المريض خوفاً من انتقاد الناس ، و إنما طلباً للأجر و الثواب من الله ، فقد قال عليه و آله الصلاة و السلام : " إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خِرافة الجنة حتى يجلس ، فإذا جلس غمرته الرحمة ، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ، و إن كان مساءً صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح " [ الألباني – السلسلة الصحيحة : 1367 ] . و لا ينتظر مساعدة من ساعده و سعى في قضاء حاجته ، و إنما يفعل ذلك لوجه الله ، فقد قال عليه و آله الصلاة و السلام : " من يكن في حاجة أخيه ، يكـن الله في حـاجته "[ حديث صحيح ، الألبـاني ـ صحيح الجـامع : 6619 ] ، و قال : " من أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن ، تقضي عنه دينا ، تقضي له حاجة ، تنفس له كربة "[ إسناده صحيح مرسل ، الألباني ـ السلسلة الصحيحة : 2291 ] . و لا يصوم لأن الدراسات أثبتت أن له فوائد عظيمة ، و لكن امتثالاً لأمر الله ، فهو يعبد الله و لا يعبد الدراسات ! . و التي تخلص نيتها لله لا تلبس الحجاب للوقاية من الأشعة الضارة ، أو لحماية الشعر من الجفاف والتقصف ، و لا لأنه من عرف بيئتها ! ولكن لأن الله أمرها به و فرضه عليها . و لكن عُسر تنقية القلب من هذه الشوائب أحياناً يجعل الإخلاص عزيزاً ، لأن الخالص هو الذي لا باعث عليه إلا طلب القرب من الله تعالى ، و لذلك قال أبو سليمان : (( طوبى لمن صحت له خطوة واحدة لا يريد بها إلا الله تعالى )) .
و لكن .. هل نحن ندرك فعلاً أهمية استحضار النية و أنها جوهر العمل ، كما قال عليه و آله الصلاة و السلام - : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنَّما لكل امرئٍ ما نوى .."[حديث صحيح ، رواه البخاري ـ الجامع الصحيح :1] ؟ فهي صياغة شاملة لحياتنا نحن المسلمين ، فلابد أن يكون لك نية واضحة أو حتى نيات في كل عمل تقوم به . قال الإمام الغزالي : (( .. إن الطاعة الواحدة يمكن ان ينوي بها خيرات كثيرة ، فيكون له بكل نية ثواب ، إذ كل واحدة منها حسنة ، ثم تُضاعف كل حسنة عشر أمثالها . مثال ذلك القعود في المسجد ، فإنه طاعة ، و يمكن أن ينوي بها نيات كثيرة : منها أن ينوي بدخوله انتظار الصلاة ، و منها الاعتكاف و كف الجوارح ، و منها دفع الشواغل الصارفة عن الله تعالى بالانقطاع إلى المسجد ، و إلى ذكر الله تعالى فيه ، و نحو ذلك . فهذا طريق تكثير النيات ، فقس على ذلك سائرالطاعات ، إذ ما من طاعة إلا و تحتمل نيات كثيرة )) ، ثم قال : (( فما من شيء من المباحات إلا و يحتمل نية أو نيات ، تصير بها قربات ، و ينال بها معالي الدرجات ، فما أعظم خسران من يغفل عنها و يتعاطاها تعاطي البهائم المهملة . و مثاله أن يتطيب ، و ينوي بالطيب اتباع السنة ، و احترام المسجد ، و دفع الروائح الكريهة التي تؤذي مخالطيه . و لا ينبغي