السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
تمهيد في السحر :
ذكر العلامة العلم ابن القيم الجوزية رحمه الله، في كتابه القيـم الطب النبوي ,” قد أنكر طائفة من الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسحر و قالـوا:لا يجوز هذا عليه ؛ وظنوه نقصا وعيبا. وليس الأمـر كما زعموا، بل هـومن جنس ما كان يعتريه صلي الله عليه وسلم: من الأسقام والأوجـاع وهـومرض من الأمراض، واصابته به كاصابته بالسم: لا فرق بينهما". وقد ثبت في الصحيحين، عن عائشة رضي الله عنها ، أنـها قالـت
( سحـر رسول لله صلي الله عليه وسلم، حتى ان كان ليخيل اليه أنه يأتي نسائه ، ولم يأتهن) وذلك أشد ما يكون من السحر.من هذا المدخل سوف نستعرض السحر لان اصابة النبي صلي الله عليه وسلم بالسحر سوف يخدم هذا الموضوع الشائك والذي اصبح باب ضلال واضـلال لكثير من الناس واختلاط الأمور بينهم. فما هو السـحر؟
السحر: في لغة العرب بتشديد السين وتسكين الحاء هو" كل أمر يخفـى سببـه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع وكل ما لطف مأخـذه ودق. وجمعه أسحار وسحور". وتاريخ السحر قديـم بقـدم الانسان على هـذه الأرض. ولقـد عرفت الأمم السـابقة السحر فمـا من أمـة من الأمـم أرسل اليها رسول الا وأتهم الرسول المرسل بالسحر والجنون . وقرن السحر بالجنون لأن بعضا من المسحورين تصدر منهم تصرفات مثل تصرفات المجانين ، كما قال الله عز وجل( كذلك ما أتى الذين من قبلـهم من رسول الا قـالوا ساحـر
أو مجنون*) ومن هذه الآية نستدل الى أن السحر أمره قديم . حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلم مـن هذا الاتهـام. بل ومن اصابته به .
أنواع السحر والورد في القرآن :
ينقسم السحر بشكله العام الى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : سحر التخيل :
وهو أن يعمـد الساحـر الـى القـوى المتخيلـة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ويلقى فيها أنواعـا من الخـيالات والمـحاكاة وصورا مما يقصده من ذلك ثم ينزلها الى الحس من الرائيـن بقـوة نفسه الخبيثة المؤثرة فيه فينظرها كأنها فى الخارج وليس هناك شيء من ذلك. وهذا النوع من السحر يستعمل فيه الساحر عنصرين هامين مؤثرين في الخيـال يستطيع بهما أن يتصرف في خيال المسحور كيفما يشاء فيريه ما يريد أن يرى. وهذان العنصران هما: 1 ـ سحر العيون 2 ـ والاسترهاب.
واستشهادا على هذا القول من كتاب الله ، قوله عز وجل( قال ألقوا فلمـا ألقـوا سحروا أعين الناس و استرهبوهم وجاءوا بسحر عظيم ) أي جعلوا أعيـن الناس ترى أشياء غير حقيقية وكأنها حقيقية كمثل : أن يرى الانسان التراب يصير ذهبا والحديد يصبح ماء .. وهذا هو الذي حدث لقوم موسـى، اذ أنهـم رأوا الحبـال والعصي وهي تمشي و هي في واقع الأمر ثابتة جامدة مكانها ولكن بحكـم أنهم سحرت أعينهم صاروا يرونها تتحرك وتسعي .فقوة الخداع للعين والتمويه وخطف الأبصار بالخفة مع التأثير بالخوف كل ذلـك يؤثر في خيال الأنسان المراد سحره حتى يصبح خياله تحت سيطرة الساحر فيريه ما يريده أن يرى ويخيل اليه ما يريد أن يخيله اليه. لـذا قـال الله عـز وجـل(يخيل اليهم من سحرهم أنها تسعى ) وهذا يعنى أن التخـيل الذي حدث لهـم
انما تم عن طريق السحر. وبالمقابل وحتى يتبين لنا الحق من الباطـل نرى أن موسى عليه السلام دخل هـذه المعركـة هو وأخوه هارون وهما شخصان فقط ضـد أمة الكفر بقيادة فرعون و الذى قيل أن عددهم سبعون الف ساحـر. ولاتناسب هنا بين الفريقين عدة و عددا و لكن الغلبة لمن كان مع الله ولو اجتمعـت الجن والانس عليه. و صور لنا القران أن موسى خاف مما رأى عندما ألقي السحرة حبالهم وعصيهم ، وهذا الخوف من طباع البشر ولكن الله ثبت قلبه لكي يعلم الجميع أن القوة العلوية أقوي من السفلية. وأراد الله عـز وجـل بذلك أن يلقن الطاغية المتكبر وقومـه وأمثالهم درسا على مدى الحياة. فأمر رسوله موسى أن يثبت و ذلك في قوله عز وجل(قلنا لا تخف انك أنت الأعلى). ولكي يمده بالأمن والاطمئنان أمره بقوله عز وجل ( وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيـد ساحـر، ولا يفلـح الساحر حيث أتى ). فعندما جاء هذا الأمر من الله علـم موسـى أنـه منتصـربنصرة الله له. وبدأت المعركة الكبرى وجاء السحـرة واجتمعوا وأخذوا الأمان مـن فرعـون ممنين أنفسهم بما ينتظرهم من الأجر العظيم ان هم انتصروا . وجاءوا بحـبالهم وعصيهم وجاءوا بسحر عظـيم، سحروا به أعين الناس. حيث خيل اليهـم ان حبال السحرة تحولت الى حيات ضخمة. فكان كل من في ذلك الموقف يرىهذه الحبـال وهي تسعي وتريد أن تهجم على موسى وأخيه هارون عليهمـا السلام.عندهـا القى موسى عصاه فلقفت ما صنعوا فوقع الحق و بطل ما كان يصنعون. فالله عز و جل هو الذي خلق النواميس و اذا شاء غير الأشياء كما يريـد. فهـوالذى حول العصا التي كان يحملها موسى الى حية ضخمة فلقفت كل مـا صنـع السحرة . فهو بيده كل شيء. وهو عز وجل الـذي أمر النار المحرقـة أن تكون بردا وسلاما على ابراهيم . وذلك في قوله تعالى ( يا نار كوني بردا و سلاما على ابراهيم) .فبدلا من أن تحرقه كان في داخلها متنعما يبتسم. فكانت كما أمرت. وهنانجد أن الموقف متشابه جدا مع موقف موسى مع فرعون و السحرة. اذ أمر الله موسى بقوله(وألق ما في يمينك) فلما ألقاها موسى تحولت الى حية تسعى فنظـر اليها كل مـن في المـوقف فاذا بها تهجم بأمر ربها على كل شيء ألقاه السحرة لقفه وتبلعه والكل ينظر وعلي رأسهم فرعون وملاءه. فلما رأى السحرة هـذا المنظر المذهل أن عصا واحدة تتحول وتلقف كل ما أتت عليه وهم أرباب السحر وصناعه ورأوا أن الأمر غير عادي وليس من أمر الأسحار في شيء ولا يندرج بحال من الأحوال فيما يصنعون من السحر. فما كان منهم الا انهم علموا أن مـاجاء به موسى هو الصدق وهو الحق فما كان منهم الا انهم خروا علـى الأرض ساجدين لله مؤمنين بما جاءهم به موسى من الحق ، عندها ظهر الحـق وبطـل الباطل . و تمثلت هذه القصة في القرآن في قوله تعالى (قالوا ياموسى امـا أن تلقي واما أن نكون أول من ألقى* قال بل ألقوا فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم أنها تسعى* فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف انك أنت الأعلى * وألقي ما في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر و لا يفلح الساحر حيث أتى ) وفي قوله سبحانه (قال ألقوا فلما ألقوا سحروا اعيـن الناس واسترهـبوهم وجاءوا بسحر عظيم) فكل ما ذكرنـاه آنفا ينـدرج فـي سـحرالتخيل وله صور مختلفة منذ القدم. فما حدث بين موسى عليه السـلام وسحـرة فرعون هذه صورة من الصور القديمة. وكذا مـا يحد ث عنـد بعض السحـرة في ذلك الوقت، حيـث يحضر أحدهم بقرة ويلتف النـاس حوله ثم يقـوم بسحـرأعينهم ، ويأتي ويقف عند رأس البقرة وتارة عند دبرها فيخيل للناس انـه دخل من فمها وخرج من دبرها.أ ما يحدث في هذا العصر من أنواع سـحر التـخيل ، فمنه مـا يفعلـه بعـض الحواة كأن يدخل السكين في بطنه ويخرجها من ظهره، أو يضـع المـرأة فـي صندوق ثم يقوم بنشر الصندوق مـن النصف بالمنشار، فتخرج المرأة ولم تصب بأذى. وكذلك ما يقوم به بعض السحرة من الضحك على السذج و البلـه مـن الناس الذين ليس لديهم الاعتقاد الصـحيح فيوقعونهـم فـي شراكهم و أحابيلهم فيحضرون حقيبة مليئة بورق عادي ، ويحولون هذا الـورق الى نقـود حقيقية فيغررون بـها الناس وبخاصـة مـن أراد الثـراء السريـع ،مشترطين عليهم مبالغ كبيرة من المال فيحولونها مؤقتا، ويراها الناظر علـى أنها نقود وهي في الواقع ورق عادي. ولكن كما بينـا فأنهم يسحـرون أعيـن الناس فتتغير الحقيقة
الى خيال، وعندها تقع الندامة ولات حين مندم .وقد حدثت مثل هذه القصة لكثيرمن الناس في هذا الزمن، وضحك عليهم بملاين الدولارات وكلها خـدع .
القسم الثاني: السحر المؤثر
وهذا النوع من اشد أنواع السحـر تداولا وأضرارا وله تأثير على المسحور في عقله وبدنه وقلبه. وهذا النوع من السحر عبارة عـن عزائـم ورقـى وعقــد وطلاسم شيطانية. وهو اتفاق وعقد بين الشياطين مـن الأنس والشياطيـن مـن الجن. وقد ذكر أبو محمد المقدسي في( الكافي) "السحـر عزائم ورقي وعقد يؤثر في القلوب والأبدان، فيمرض ويقتل ويفرق به بين المرء وزوجه ويؤخـذ أحـد الزوجين من صاحبه. قال تعالـى(فيتعلمون منهما ما يفرقون بـه بيـن المـرء وزوجه) . وقال تعالى (ومن شر النفاثات في العقد) يعنـي السواحـر اللواتـي يعقـدن في سحرهن وينفثن في عقدهـن. ولـولا أن للسحـر حقيقـة لم يؤمـر بالاستعاذة منه" .
والسحرة اذا أرادوا أن يصنعوا السحر فانهم يحضرون الخيوط ويـعقد ون العقد وينفثون على تلك العقد حتى يتم لهم ما يريدون. وللشيطان دخل كبيـر فـي هذا الأمر حيث أنه يعينهم على ذلك كثيرا. وقد ذكر سبحانه وتعالى ذلك بقولـه( وماكفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر) والنفـث هو النفخ مع رذاذ خفيف دون التفل . والنفث بفعل الساحر، حيث تختلـط روحـه الخبيثـة المـليئة بالشر مع تلك العقد ، فيعينه ابليس الخبيث فيجتمع الخبث على هذه العقد فتؤثر في الشخص المراد سحـره وذلك باذن الله القائل ( وما هم بضـارين به من أحد الا باذن الله ) . وقد ذكـر ابن القيم رحمه الله في كتابه ( بدائع الفوائد)”السحرة اذا أرادوا عمل السـحر عقدوا الخيوط ونفثوا على كل عقدة حتى ينعقد ما يريدونه من السحر، ولهذا أمر الله تعالى بالاستعاذة من شرهم في قوله تعالىومن شر النفاثات في العقد) وهن السواحر اللاتى يفعلن ذلك . والنفـث هو النفخ مع الريق دون التفل وهو مرتبة بينهما. والنفث فعل الساحر، فاذا تكيفت نفسـه بالخبث والشر الذي يريده بالمسحور، ويستعين عليـه بالأرواح الخبيثة نفـخ في تلك العقد نفـخا مع ريق فيخرج مـن نفسه الخبيثة نفس ممازج للشـر والأذى مقترن بالريق الممازج لذلك. وقـد تسـاعده الروح الشيطانية على أذى المسحور فيصيبه السحر باذن الله ". والواقع أن الساحر يأتي اليه الناس ظنا منهم أنه بيده نصرتهم من الظلــم الذي وقع عليهم من قبل الغير، أو أنه يملك من القدرة ما لا يستطيع غيره أن يفعـل ، وهم في واقع الأمر لا يعدونه ساحرا بل كل اعتقادهم أنه يعالج ويستخدم القرآن في علاجه . وذلك ما يلجأ اليه غالب السحرة من استخدام الآيـات القرآنيـة ، ولكنهم يدنسون القـرآن أو يكتبونه بالمقلوب. ولذا نجد أن الناس عندمـا يـرون الآيات المكتوبة على الاحجبة و التمائم ، فانهم تطمئن أنفسهـم بها وهم لا يعلمون أنهم واقعون بين يدي ساحر من السحرة . ومعظـم ذلك يحـدث للناس الجهلـة بالعلم الشرعي وان علا تعليمهم الدنيوي كأن يكون دكتورا فـي أحدى الجامعات أو أستاذا أو مثقفا ثقافة عالية ولكن ليس في شـرع الله ، أو أنسان ضعف في قلبه الوازع الديني ، وكذلك الذين ضعف عندهم الأيمان بالقضاء والقدر و يريدون أن يغيروا ما قدر الله عليهم ،دون أن يعلموا انما ذلك من القدر الذي كتب عليهم . لذا فهم يتجهون الى هذا الصنف من الناس ظنا منهم أنهم أتقياء ومقربـون مـن الله ، وأن لديهم كرامات وكل ذلك مما يروجـه الناس بين بعضهم البعض .ومـن هنا تكتسب الدعاية لبعض الأشخاص ، فيتجه اليهم القاصي والداني. وهكذا يذيع صيـت هؤلاء السحرة الدجالين ، فيأتي اليهم الشخص بأثر أو ملابس أو أظـافر أو شعـر فيسألهم عن اسم الأم ، و هو سؤال ضروري لأن السحرة لا يؤمنـون بالعلاقة الزوجية بين المرء وزوجه بل يعتبرون أن الجميع أبناء زنـا. وكما هومعروف أن ابن الزنى ينسب الى أمه لأن الأب غيـر معلوم . ولأن الأمر كذلك فان الشياطين والمردة تقوم بخدمة هذا الساحر0 و اسم الأم أيضا علامة يربط بهاالسحر بالمسحور، فيقوم هذا الساحر بعقد العقد في ذلك الأثـر الذي أحضر ويقوم بالنفث عليه ويقرأ تعاويذ وطلاسم شيطانية فيهـا طلب الأعانـة و الأستغاثة من أرواح الشريرة من الجن الذين يعبدهم الساحـر من دون الله . ولـن يخدموه أو يقـدموا لـه العون ألا بعد أن يكفر بالله ويعبدهـم من دون الله ، وبقـدر ما يكون الساحر بعيدا عن الله وكافرا به بقدر ما يكون قريبـا من الشيطان فيعـينه، وبقدر ما يكون الأنسان قريبا من الرحمن طائعا له ، يفـر الشيطان بعيـدا عنـه هاربا منه . لذا من كـان مع ابليس فان الشيطان يسخر بعضا من المردة ليكونوا في خدمـة هذا الساحر الخبيث، فتقوم هذه الأرواح بربط السحر في جسد المسحور. ويكونون خـدم وحراس لهذا السحر، فيتابعون المراد سحره حتى يجدون الفرصةالمناسبة فيدخلون الجسد المراد سحر صاحبه، عندها يقومون بالتنكيل بهذا المريض المسحور وينفذون جميع أوامر الساحر، وكلا بحسـب مـا يطلب منه مـن الأذية فلا ينفك عنه حتى يبطـل السحر وتفك هـذه العقد باذن الله .لأنه أصيب به باذن الله . وفـي غالب الأمـر يستخدم الساحر بعضا من المواد الخبيثـة فتدفن في الأرض أحيانا، أو توضع فـي أماكن خفية ، أو تلقى فـي البحر حتـى لا يعرف مكانها فتبطل. ويمكن أن يضاف الى ذلك بعـض المواد النتنة مثل دم الحيـض أو المنى فتخلط وتجفف حتـى تكون مثل البودر ، ويقـرأ عليها الرقـى والطلاسـم السحرية ، وتوضع للشخص المراد سحره في طعامه أو شرابه لتستقـر في بطنه فتقوم بجذب الروح الخبيثة أي "خادم السحر" الى الجسد لتلتصـق به فاذا استقرت الأرواح الخبيثة في ذلك الجسد، قامت بأداء المهمة التى من أجلها عمـل السحـر، فان كانت للتفريق بين المرء وزوجه، قاموا بعمل أشياء تكره الرجـل في زوجته أو المرأة في زوجها، أو تسبب للرجل ضيقا شديدا عند جلوسه مـع زوجتـه أو بالعكس. أو يجعـلون أحد الزوجين مثلا عصبي المزاج ، وما الى ذلك من الأمور التي تكون سببا في الأنفصال بين الزوجين. وقد تسبب للانسان بعضـا من الآلام والأوجاع ، فيكون هذا السحر من اشد أنواع السحر التي يعاني منها الناس في هذاالزمان.
القسم الثالث: السحر المجازي
وهذا النوع من السحر يقوم على الحيل الكيميائية و خفة اليد و على التمويـه والخداع و الكذب على ضعاف العقول. وهو يعرف في زماننا هـذا بالشعـوذة والدجل. و سمي سحرا مجازا لاشتراكه في المعنى اللغوي للسحر . فهو مما خفي سببه و لطف مأخذه و دق و جرى مجرى التمويه و الخداع . وغالبا ما نرى هذا النوع من السـحر و السيمياء مما يمارسه بعض الذين يشتغلون بالسيرك و كذلك من لهم علاقة بالشياطين، كالسحرة الذين يقومون بعمل السحر الحقيقـي و لهم معرفة بخواص المواد الكيميائية و الحيل العلميـة. ومن هذه النماذج تلك التـي يعتمد فيها بعض المشعوذون بوضع مادة على جـانبي صندوق الكبريت عنـد اشعال عود الثقاب اذا احتكت بها هذه المادة أحترقت في معدن مثل الألمنيوم أو المعدن الذي سطحه أملس . فالدخان الخارج منها يتسرب على سطح المعدن على شكل مادة بنية اللون. و هذا الدخان بمجرد ملامسته لسطح رطـب فانـه يتحول الى دخان مرة أخرى . و عليه يقوم المشعوذ بحرق هذه المـادة ثـم اذا تحولت الى دخان جامد في شكل مادة بنية اللون على سطح المعدن الذى حـرقت فيه يقوم بمسحها بسطح يده لتبقى المادة فيها شرط أن تكون اليد جافة ، فاذا أتاه شخص و شكا له مرضا معينا أو قال انه مسحور فأنه يقوم بأحضار كوبـا مـن الماء يقرأ عليه بعض الآيات للتمويه ثم يرش يد الشخص المريض بهذا الماء بيده التي ليست فيها المادة ( الدخان المتجمد) ثم يمسح يد الشخص المريض فيخـرج منها الدخان بصورة كثيفة لفترة من الزمن، ثم يقول للمريض أن المرض قد خرج منك . أو يقوم بعض المشعوذون باحضار قدر فيه ماء قليل و يضعون في داخـله حبرا أو شيئا من الصباغ ، وبحركة خفيفة يلصقون حجابا من الورق فـي الغطاء الذي يغطى به القدر و يلصقونه بواسطة الغراء ثم يجعلون الشخص ينظـر فـي
داخل القدر فلا يرى شيئا. ثم يوضع القدر فوق النار فيغلي الماء بداخله فيغطى بالغطاء دون أن يرى المريض باطن الغطاء. فعندما يغطى القدر و بفعل الحرارة الشديدة و بخار الماء يذوب الغراء فيسقط الحجاب في داخل القدر، ثـم يكشـف الغطاء فينظر المريض في داخل القدر فيجد الحجاب أو التميمة في داخـل القدر فيقول له المشعوذ انك كنت مسحورا و هذا هو سحرك فيصدقه المريض .و هناك من الحيل و الأكاذيب التي يستخدمها اولئك الكذابون و هي كثيرة بـأن تحصر.ولما كان السحر بهذه الدرجة من الخطورة و فيه تخريب البيوت و ايقاع العداوة والبغضاء بين الناس، فهو كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات السبع.فقد اعتنى الاسلام بالرد على السحرة و المشعوذين، و يكفي أن الله سبحانه و تعالى قد ذكر بكفر الساحر. و قد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم بكفر من أتى السحرة والعرافين بقوله صلى الله عليه و سلم " من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد صلى الله عليه و سلم ". وقد اعتنى أهل العلم سلفا وخلفا بهذا الأمر، وكان من خيرة أهل العلم الذين كتبوا في هذا الباب الشائك الامام الجليل أمام أهل السنة و الجماعة في عصرنا الحاضر في القرن العشرين، رحمة الله عليه الشيخ عبد العزيز بن باز، حيث اصدر في حياته عدة فتاوى، و كان سيفا مسلطـا على السحرة و المشعوذين و الدجالين و المبتدعين، فنسأل الله له المقام العالي في جنات الخلد بجوار النبيين و الصديقين و الشهداء وحسن أولئك رفيقا. و مـن هذه الفتاوى رسالة متكاملة عنوانها :
حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها حكم السحر والكهانة وما يتعلق بها
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . وبعــد :
فنظرا لكثرة المشعوذين في الآونة الخيرة ممن يدعون الطب و يعالجون عن طريق السحـر أو الكهانة ، و انتشارهم في بعض البلاد و استغلالهم للسذج مـن النـاس ممن يغلب عليهم الجـهل ، رأيت من باب النصيحة لله و لعباده أن أبين ما في ذلك مـن خطـر عـظيم على الاسلام و المسلمين لما فيه من التعلق بغـير الله تعالـىومخالفة أمره و أمر رسوله صلى الله عليه و سلـم . فـأقول مستعينا بالله تعـالي يجـوز التداوي اتفاقا ، و للمسلم أن يذهب الى دكتور أمراض باطنية أو جـراحية أوعصبية أو نحو ذلك ، ليشخص له مرضه و يعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعـا حسب مـا يعرفه في علـم الطب، لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العاديةولا ينافي التوكل على الله ، و قد أنزل الله سبحانه و تعالى الداء و أنزل معه الدواء عـرف ذلك من عرف و جهله من جهله ، ولكنه سبحانه لـم يجعل شفاء عباده فيما حرمـه عليهم. فلا يجوز للمريض أن يذهب الى الكهنة الذين يدعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه ، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فأنهم يتكلمون رجما بالغيـب أو يستحظرون الجن ليستعينوا بـهم على ما يريدون ، و هؤلاء حكمهـم الكفـر والضلال اذا ادعوا علم الغيب ، و قد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " مـن أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوما " و عن أبـي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من أتى كاهنـا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمدا صلى الله عليه و سلم " رواه أبـوداود و خـرجه أهل السنن الأربع و صححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه و سلم بلفظ : " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم " و عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ليس منا من تطير أو تطير له أو تكهن أو تكهن له أو سحـر أوسـحر له و من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على مـحمد صلى الله عليه و سـلم " رواه البزار باسناد جيد . ففي هذه الأحاديث الشريفة النهي عن أتيان العرافين والكهنة و السحرة و أمثالهم و سؤالهم و تصديقهم و الوعيد على ذلك ،فالواجب على ولاة الأمور و أهل الحسبة و غيرهم ممن لهم قدرة و سلطان انكـاراتيان الكهان و العرافين و نحوهم ، و منع من يتعاطى شيئا من ذلك في الأسواق وغيرها و الأنكار علهم اشد الانكار ، والانكار على من يجييء اليهم ،ولا يجوز أن يغتر بصدقهم في بعض الأمور و لا بكثرة من يأتي اليهم من الناس فأنهم جهال لايجوز أغترار الناس بهم ، لأن الرسول صلى الله عليه و سلم قد نهى عن أتيانهم وسؤالهم و تصديقهم لما في ذلك منالمنكر العظيم و الخطر الجسيـم و العواقـب الوخيمة و لأنهم كذبة فجرة ، كما أن في هذه الأحاديث دليلا على كفـر الكاهن والساحر لأنهما يدعيان علم الغيب و ذلك كفـر ، و لأنهمـا لا يتوصـلان الـى مـقصدهما الا بخدمة الجن و عبادتهم من دون الله و ذلك كفر بالله و شـرك بـه سبحانه و المصدق لهم في دعواهم علم الغيب يكون مثلهم ، و كل من تلقـى هذه الأمور عمن يتعاطاها فقد برىء منه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، ولا يجوزللمسلم أن يخضع لما يزعمونه علاجا كتمتمتهم بالطلاسم أو صب الرصاص و نحوذلك من الخرافات التي يعملونها ، فان هذا من الكهانة و التلبيس على الناس و من رضي بذلك فقد ساعدهم على باطلهم و كفرهم . كما لا يجـوز أيضـا لأحـد من المسلمين أن يذهب اليهم ليسألهم عمن سيتزوج ابنه أو أبنته أو قريبه أو عما يكون بين الزوجين و أسرتيهما من المحبة و البغضاء أو العداوة و الفـراق و نحو ذلك ، لأن هذا من الغيب الذي لا يعلمه الا الله سبحانه و تعالى .والسحر من المحرمات الكفرية كما قال الله عز و جل في شأن الملكين في سورة البقرة : ( و ما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما مايفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من أحد الا بأذن الله و يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم و لقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق و لبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون). فدلت هذه الآيات الكريمة على أن السحر كفروأن السحرة يفرقون بين المرء و زوجه. كما دلت على أن السحر ليس بمؤثر لذاته نفعا و لا ضرا و انما يؤثر باذن الله الكوني القدري لأن الله سبحانه و تعالى هو الذي خلق الخير و الشر . و لقد عظم الضرر و اشتد الخطب بهؤلاء المفترين الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين و لبسوا بها على ضعفاء العقول فأنا لله و انا اليه راجعون و حسبنا الله و نعم الوكيل . كما دلـت الآية علـى أن الذين يتعلمـون السحر انما يتعلمون ما يضرهم و لا ينفعهم و انه ليس لهم عند الله من خلاق أي : " من حظ ونصيب " و هذا وعيد عظيم يدل على شدة خسارتهم في الدنيا و الآخرة ، و أنهم باعوا أنفسهم بأبخس الأثمان , و لهذا ذمهم الله سبحانه و تعالى على ذلك بقوله :"ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون" و الشراء هنا بمعنى البيع نسأل الله العافية و السلامة من شر السحرة و الكهنة و سائر المشعوذين كما نسأله سبحـانه أن يقي المسلمين شرهم ، وان يوفق حكام المسلمين للحذر منهم و تنفيذ حكـم الله فيهم حتى يستريح العباد من ضررهم و أعمالهم الخبيثة أنه جـواد كريـم . و قد شرع الله سبحانه لعباده ما يتقون به شر السحر قبل وقوعه و أوضح لهم سبحانه مايعالـج بـه بعد وقوعه رحمة منه لهم ، و احسانـا منه اليهم ، و اتماما لنعمته عليهم . و فيما يلي بيان للأشياء التي يتقي بها خطر السحر قبل وقوعه والأشياء التي يعالج بها بعد وقوعه من الأمور المباحة شرعا : -
أما ما يتقى بـه خطر السحـر قبل وقوعه فأهم ذلك و انفعه هو التحصن بالأذكارالشرعية و الدعوات و التعوذات المأثورة ، و من ذلك قراءة آية الكرسي خلف كل صلاة مكتوبة بعد الأذكار المشروعة بعد السلام ، و من ذلك قراءتها عند النوم ، وآية الكرسي هي اعظم آية في القرآن الكريم و من ذلك قراءة ( قل هو الله أحـد) و(قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس) خلف كل صلاة مكتوبة و قراءة هذه السور الثلاث ثلاث مرات في أول النهار بعد صلاة الفجر ، و في أول الليل بعد صلاة المغرب، و عند النوم، و من ذلك قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة في أول الليل . و قد صح عن رسول اله صلى الله عليه و سلـم انه قال :" من قرأ آيةالكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ و لا يقربه شيطان حتى يصبح" ، و صح عنه صلى الله عليه و سلم انه قال:" من قرأ الآيتين من سـورة البقرة في ليلة كفتاه"والمعنى والله أعـلم : كفتاه من كل سوء ، ومن ذلك الأكثـار من التعوذ بكـلمات الله التامات من شر ما خلق " في الليل أو النهار ، وعند نزول أي منزل في البنـاء أو الصحراء أو الجو أو البحر لقول النبي صلي الله عليه وسلم "" مـن نزل منزلا فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لـم يضره شـيء حتى يرتحل من منزله ذلك "ومن ذلك أن يقول المسلـم في أول النـهار وأول الليل ثلاث مـراتبسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء فـي الأرض ولا فـي السماء وهو السميع العليـم" لصحة الترغيب في ذلك عـن رسول الله صلي الله عليـه وسلـم ، وأنذلك سبب للسلامة من كل سوء . وهذه الأذكار والتعوذات من أعظـم الأسباب في اتقاء شـر السحر وغيـره مـن الشرور لمن حافظ عليها بصدق وايمان وثقة بالله واعتمـادا عليه ، وانشراح صـدر لمـا دلت عليه ، وهي أيضا من أعظم السلاح لازالة السحـر بعد وقوعه مع الاكثار من الضراعة الى الله وسؤاله سبحـانه أن يكشف الضر ويزيل البأس . ومن الأدعية الثابتة عنه صلي الله عليه وسلـم فـي علاج الأمراض من السحروغيره ، وكان صلي الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه :"اللهم رب الناس أذهــب البأس واشف أنت الشافي لاشـفاء الا شفاؤك شفاء لايغادر سقما " يقولها ثلاثا ،من ذلك ومـن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النبي صلي الله عليه وسلم وهي قولـه" بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك" بسم الله أرقيك " و ليكـرر ذلك ثلاث مرات و من علاج السحر بعد وقوعه أيضا وهو نافع باذن الله للرجل اذا حبس من جماع أهله أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر و يجعلها في اناء و يصب عليـه من المـاء ما يكفيه للغسل ويقرأ فيها آية الكرسي و ( قل يا أيها الكافرون)( قل هو الله أحد ) و ( قل أعوذ برب الفلق) و ( قل أعوذ برب النـاس) و آيـات السحر التي وردت في سورة الأعراف ( و أوحينا الى موسى أن ألقي عصاك فاذا هي تلقف ما يأفكون* فوقع الحق و بطل ما كانوا يعملون* فغلبوا هنالك و انقلبوا صاغرين) و الآيات في سورة يونس و هي قوله سبحانـه ( و قال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم * فلما جاء السحرة قال لهم موسى القوا ما انتم ملقون* فلما القوا قال موسى ما جئتم به السحران الله سيبطلـه ان الله لا يصلـح عمـل المفسـدين*و يحق الله الحق بكلماته و لو كره المجرمون) و الآيـات في سورة طه ( قالوا ياموسى اما أن تلقي و امـا أن نكون أول من ألقـى* قال بـل القوا فاذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم أنها تسعي* فأوجس في نفسه خيفة موسى* قلنا لاتخف انك أنت الأعـلى * و القي مـا في يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر و لا يفلح الساحر حيث أتى) و بعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب منه ثلاث حسوات و يغتسل بالباقي و بذلك يزول الداء ان شـاء الله، و ان دعـت الحاجـة لاستعماله مرتين أو أكثر حتى يزول الداء . و أما علاجـه بعمل السحرة الذي هوالتقرب الى الجن بالذبح أو غيره من القربات فهذا لايجوز ، لأنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر . فالواجب الحذر من ذلك ،كما لا يجوز علاجه بسؤال الكهنة و العرافين و المشعوذين و استعمال ما يقولون لأنهم لا يؤمنون ، ولأنهم كذبة فجرة يدعون علم الغيب و يلبسون على الناس و قد حذر الرسول صلـى الله عليه و سلم من اتيانهم و سؤالهم و تصديقهم كما سبق بيان ذلك في أول هذه الرسالة ، و قد صح عن رسول الله عن النشرة فقال : " هي من عمل الشيطان " رواه الامام أحمد و أبوداود باسناد جيد و النشرة هي حل السحر عن المسحور و مراده صلى الله عليه وسلم بكلامه هذا النشرة التي يتعاطاها أهل الجاهلية و هي سؤال الساحر ليحل السحرأو حله بسحر مثله من ساحر آخر. أما حله بالرقية الشرعية و التعوذات الشرعية والأدوية المباحة فلا بأس في ذلك كما تقدم . و قد نص علـى ذلك العلامة ابن القيم ، والشيخ الأمام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ في فتح المجيـد رحمة الله عليهما ، و نص على ذلك أيضا غيرهما من أهل العلم . و الله المسؤول أن يوفق المسلمين للعافية من كل سوء ، و أن يحفظ عليهم دينهم و يرزقهم الفقه فيه و العافية من كل ما يخالف شرعه و صلى الله و سلم على عبده و رسوله محمد و على آله و صحبه و سلم . انتهت الرسالة .ومما تقدم يضح لنا خطورة هذا الأمر، بل يجب علي كل من علم شيء من هذا العلم وجب عليه بيانه للناس وواجب العلماء العاملين في هذا المجال أكبر حيث أن الله من عليهم بالتفقه في دينه، لذا المسؤولية عليهم أكبر ونسأله عز وجل أن يرد كيد السحرة الأشرار في نحورهم، وأن ينقلب سحرهم عليهم ويكفي المسلمين والمسلمات شرهـم وأن يجعل عملنا هذا مـوافقا لرضاه، وأن ينفع به كـل من تصفحه وقرأه .آمين